فالمقصور: هو الموصوف بها ذات البارئ سبحانه وجل لا يقتصر غيرا موجودة ولا معدوما ممكنا، كقولنا في صفه الله تعالى بأنه واحد، وأنه حي، وأنه قديم، وأنه باق أزلي، وأنه عزيز، وأنه دائم وما أشبه ذلك، فليس في قولنا: أنه حي معنى يقتضي مفعولا ن وكذلك قولنا واحد قديم باق دائم، ليس في ذلك معنى غير الموصوف.
مسألة: وأما المآثر فكقولنا حين نصفه بأنه عالم وأنه راحم، وأنه مريد وأنه خالق، فهذه الأسماء تقتضي فاعلا ومفعولا، وتتعدى إلى غير الموصوف من موجودة أو معدوم ممكن وما أشبه ذلك. فيجب أن يعتبر قولنا غن الله قادر من الصفات المقصورة على الذات، أو من الصفات المتضمنة مفعولا [37] يمكن كونه بهذه الصفة، ولا سبيل مع ضرورة العقل إلى جحد تأثير هذه الصفة وتضمنها مفعولا واقتضائها مقدورا سيكون، فكما أن العالم إنما يعلم معلوما لا بد منه، والخالق إنما يخلق مخلوقا لا بد منه، الراحم إنما يرحم مرحوما لا بد منه، والمريد إنما يريد مرادا لا بد منه، ومحال أن يعلم العالم غير معلوم، يريد المريد غير مراد، وكذلك يستحيل أن يقدر القادر على غير مقدور، فصح أن القادر يقتضي قدرة على شيء لا على لاشيء، والله أعلم، وبه التوفيق للصواب.
مسألة: فأما الشيء المقدور فإنه على ضربين لا يعدوهما إلى ثالث البتة: وهما الجوهر العرض، ولا نعلم شيئا مقدورا قط غير هذين الشيئين. فأما الجسم فقد قلنا إنه في الحقيقة عبارة عن جواهر مجتمعة اجتماعا يوجب الطول والعرض والعمق، فلم يخل الجسم من جوهر وعرض، فكل مقدور إما جوهر وإما عرض، وكل جوهر أو عرض فهو شيء مقدور.
فإذا صح أن الشيء المقدور على ضربين: جوهر وعرض، كان القول في تأثير القدرة في المقدور فلا يعدو معنيين: إيجاد معدوم، أو إعدام موجود، لا نعلم ثالثا تؤثره في جوهر أو عرض غير هذين المعنيين.
صفحة ٥٠