ودليل ثالث: وهو أنا وجدنا المحدث في الشاهد لا يكون إلا من محدث، كالبناء لا يكون إلا من بان والصورة لا يكون إلا من مصور، والكتابة لا يكون إلا من كاتب، ولم نجد شيئا من هذه الأشياء توجد نفسها ولا يوجد إلا كذلك علمنا أن لنا محدثا أحدثنا وهو الله الذي (ليس كمثله شيء هو السميع البصير) (5) فإن تجاسر متجاسر فزعم أنه قد يجوز وجود مجتمع لا جامع له وبناء لا باني له، وكتاب لا كاتب له لزمه أن يجيز وجود سفينة اجتمعت أجزاؤها حتى اعتدلت وتماسكت وداخل بعضها بعضا، وقربت من الساحل بغير من يريد العبور، كلما عبرت بواحد راجعت لتعبر بآخر من غير أن يجتمعا جامع ويخدمها صانع أو يقربها من الساحل مقرب، فصح ما قلناه، وبالله التوفيق.
مسألة: فهذان الدليلان على كل شيء من الجواهر والأعراض والأجسام، فإن حدوث الأعراض مشاهد وهو الدليل على حدث الجواهر، والجواهر اصل الجسام فيما اصله محدث، فهو محدث ن كيف والدليل الذي دل على حدث الجوهر دال على حدث الجسم، وبالله التوفيق.
الباب الخامس عشر
باب بيان صفة الجسم ومعانيه وحده واختلاف الناس فيه
من كلام أبي المنذر بشير بن محمد بن محبوب
صفحة ٤٢