مسألة: وأما الدليل على أن العالم محدثه غيره، هو أنا إذا علمنا بالضرورة أنه محدث فلا يجوز أن يكون أحدث نفسه، أو إحداثه غيره، فأما حدثه نفسه فباطل محال من قبل أنه لا يجلو أن يكون أحدث نفسه في حال وجوده أو حال عدمه. فإن يكن أحدث نفسه في حال وجوده فالموجود مستغنى عن الإيجاد ويرجع الكلام في موحد الإيجاد، وإن يكن أحدثه في حال عدمه فهو محال غذ المعدوم ليس بشيء (3) ينتفع به. قال الله تعالى: (أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا) (4)، أي شيئا ينتفع به لا على النفي للشيء، فما ليس بشيء ينتفع به كيف يوجد نفسه! ثم إن عجزه عن دفع الآفات التي تحله أوضح دليل على عجزه عن [30] الإيجاد نفسه في حال عدمه، فإن من كان عاجزا في حال وجوده فهو في حال عدمه أعجز، فلم يبق إلا أن له محدثا أحدثه وقدره، وبارئا سواه وصوره وهو الله القديم الواحد الحكيم الغنى الكريم السميع العليم الغفور الرحيم.
وليل ثان: وهو أن نطفة لو وضعت بين يدي الخلائق لما قدروا أن يخلقوا منها ذبابا ، ثم وجدناها وقد خلق منها بشر سوى ذو سمع وبصر وعقل ونظر وخصام وبيان وكلام ولسان فعلمنا أن له أنشأه وبارئا قدره وسواه وهو الله رب العالمين.
صفحة ٤١