قال المتأمل: لا يبين لي هاهنا علة تدل على نفي الأعراض فأحتاج إلى نقضها، لكنى وحدت عن أبي الهذيل في بعض الكتب أنه سأل أبا بكر الأصم فقال له: اخبرني كم جلد القاذف؟ قال: ثمانون جلدة. قال: فكم جلد الزاني؟ قال: مائة جلدة . فقال جلد الزاني أكثر من جلد القاذف بعشرين؟ قال: نعم. قال: أخبرني عن الجلد هو السوط نفسه؟ قال: لا. قال: فهو يد الجلاد؟ قال: لا. قال: فهو ظهر المجلود؟ قال: لا. قال: فالجلد شيء آخر غير ذلك؟ قال: لا. قال: فإذا لا شيء أكبر من لا شيء بعشرين. هذا كاف في دحض مقالهم وفسخ تعاليلهم إبطالهم على أن الحجج عليهم كثيرة، ولولا أنا قصدنا في هذا الكتاب من يوافق على وجود الأعراض وأنها غير الجواهر لأسبغنا فيه القول، وبالله القوة والحول (1) ...
وإن قال: إن التأليف غير المؤتلف؟ قيل له: فإذا رفع الله تعالى التأليف الحال في المؤتلف أم لا؟ فإن قال: إنه يرتفع بارتفاع التأليف فقد رجع إلى الأول، وإن قال: لا يرتفع بارتفاع. قيل له: فعل للتأليف غاية ونهاية أم لا؟ فإن قالوا: لا، دخلوا في مذهب الزنادقة فكفاهم ذلك انقطاعا، وإن قال: إن للتأليف غاية ونهاية. قلنا: فإذا رفعه الله تعالى من المؤتلف فهل يبقى شيء مؤتلف؟ فإن قال نعم، فقد عجز الله تعالى. وإن قال لا، قيل له: فإذا لم يبق في شيء من الأجزاء تأليف فتلك الأجزاء كل جزء منها على الانفراد في ذاته يمكن أن يتجزأ أم لا؟ فإن قال: يمكن أن يتجزأ، رجع إلى أن لا غاية للتأليف، وأن قال: لا يمكن ذلك، قيل له: فتجزئيه محال أم لا؟ فإن قال: نعم، فهو الحق، بالله التوفيق.
صفحة ٣٤