وقيل: الجوهر ما يعرض فيه العرض ويتغير به من حال وهذا صحيح. وقيل الجوهر ما كان أقل قليل وأصغر صغير حجما. قال بعض: وهذا أشد العبارات في معنى الجوهر لأنه جامع مانع شديد لأن العدم لا يدخل فيه إذ العدم لا حجم له (3) والقديم لا يدخل فيه لأن القديم لا حجم له.
والجسم لا يدخل فيه لأنه ليس بأصغر صغير حجما فصارت هذه العبارات عبارة شديد في تحديد الجوهر مقصورة عليه يجمع ما في مهنا ويمنع أن يدخل فيه ما ليس في معناه وهذا حسن.
قال بعض: حقيقة الجوهر الواحد عند أصحاب الأصول هو الجزء الذي لا يتجزأ. قال القاضي أبو زكريا يحيى بن سعيد (4) في جوابه غلى الإمام الخليل ابن شاذان (5)، قال بشير بن محمد بن محبوب: هو الجزء الذي لا يتجزأ وهذا عندي هو الصحيح، ذلك أن كل شيء يتجزأ فأقله شيئان لنه إن كان شيئا من جهة فهو شيئان من جهة [17] الجوهرية والجوهر فلفظه لفظ الواحد، والواحد في الحقيقة هو الذي لا يتجزأ. بيان ذلك أن الجسم قد يقع على أقل طويل عريض عميق فهو من حيث الجسمية شيء واحد حيث الجوهرية أشياء.
الدليل على ذلك: أنه متى فارفه أحد أجزائه، التي بها كملت أوصافه وهي الطول والعرض والعمق، ارتفعت الجسمية منه ولم ترتفع الجوهرية لأنها هي الأعيان المرئية، والأعيان المرئية لا تزول إلا بزوال ذواتها فصح أن التجزؤ إنما يقع على اجتماع الجوهر، فما كان الشيء جوهرين إلى ما فوق ذلك فهو يتجزأ لعلة اجتماع الجوهرين. فأما إذا كان جوهرا واحدا فكيف يتجزأ؟ وهذا بين عند العقلاء، وسيأتي شرح التجزؤ ومعناه فيما بعد إن شاء الله. فإذا ثبت أن حقيقة الجوهر ما لا يتجزأ كان الكلام في إضافة القدرة إلى لا شيء وسيأتي ذلك إن شاء الله.
صفحة ٢٥