مسألة: أما حدوث العالم فوجوده بعد عدم وحدوثه إيجاده بعد عدمه. قد اختلفت عباراتهم في حد المحدث فقيل: المحدث ما لو جوده أول، أو الموجود بعد أن لم يكن. وقيل: الكائن بعد أن لم يكن، وقيل ما لم يكن ثم كان. وفي ذلك أقاويل أخرى كثيرة تركتها. قال بعض وهذه كلها حدود صحيحة لا طرادها وانعكاسها والله أعلم الطرد والعكس: والذي عندي أن اطرادها فهو قولك كل ما لوجوده أول وهو محدث، وكل محدث فلوجوده أول، وكذلك سائر ما ذكر من الحدود. وأما انعكاسها فنحو قولك كل ما لا أول لوجوده فليس بمحدث وكل ما ليس بمحدث فلا أول لوجوده، وكذلك سائر هذه الحدود والله أعلم.
مسألة: ووجدت أن الإحداث هو جعل ما لم يكن فكان، وعلى هذا فالجوهر والأعراض والأجسام لم تكن ثم كانت. والأحداث بمعنى الاختراع والإبداع. ووجدت أن الإحداث والخلق والاختراع والجعل والفعل والابتداع والإنشاء بمعنى واحد ولا فرق بينهن. وعندي أن في الجعل نظرا والله أعلم.
لأن الجعل خلق وغبر خلق، وقد يكون بمعنى التصيير. ولهذا قال أصحابنا: أن القرآن غير مخلوق وأن لا دليل على خلقه في جعل الله إياه.
قال المتأمل: وأما [16] قوله وأجزاؤه، فالأجزاء جمع جزء، والجزء الطائفة من الشيء، أجزاء العالم جواهره وواحد الجواهر جوهر، وواحد الأجزاء جزء.
مسألة: الجواهر في كلام العرب الأصول ومنه يقال جوهر حسن أي أصله حسن. بيان ذلك أن جوهر ثياب القطن هو القطن نفسه، وجوهر ثياب الكتان هو الكتان نفسه، وجوهر ثياب الإبريسم
(2) هو الإبريسم نفسه، وجوهر السيوف وما أشبهه من السلاح وغيره من آلات الحديد هو الحديد نفسه، وما أشبهه ذلك من المتحيرات القائمة بأنفسها فجوهرها هو نفس ذاتها والله أعلم.
مسألة: في حد الجوهر: وقد اختلفت عبارات المتكلمين في حد الجوهر فقال بعضهم: هو الجرم المتحيز والمراد بالتحيز الشاغل للجهة الحاصل فيها عن حصول جوهر آخر فيها، لأنه لا يصح حصول اجتماع جوهرين في جهة واحد. فصار لذلك حائزا للجهة التي فيها، قد اختص بها وحصل فيها. والحيز هو الجهة والجهة المكان، والله أعلم.
وقال بعض: حد الجوهر أن يكون أصلا للجسم، قالوا: ولذلك قال العرب: فعل فلان يدل على جوهرية فيه، وجوهر هذا السيف جوهر حسن وهو صحيح.
صفحة ٢٤