وثاني أغراض البحث التي تصلح لها هذه الجائزة قبل غيرها هو الدلالة على وظيفة الجوائز العالمية في جملتها، ووظيفة الجوائز بأنواعها، بين عالمية وقومية، وبين دائمة متكررة وعارضة محدودة، تنقضي بانقضاء مناسبتها.
ونقول: إن جائزة نوبل تدل على تطور الحياة النفسية، كما تدل على تطور الحياة الفكرية، بأنها مشروطة بشروط أخرى غير شرط الإجادة والإتقان في أعمال الفن والأدب، وتلك هي شروط العمل لقضية السلام والثقة بالمثل الإنسانية العالية، وهي مسألة أخلاقية نفسية، تتغير النظرة إليها، ويتغير الشعور بها بين زمان وزمان، وبين قبيل وقبيل من أمم الحضارة.
ولهذا قصرنا الكلام في جميع هذه الأحاديث على هاتين الدلالتين: دلالة التطور في مقاييس الأدب والأخلاق، ودلالة الوظيفة العامة التي تؤديها الجائزة العالمية.
فلم نقصد إلى إفاضة القول في تراجم الأدباء؛ لأنه شرح يطول، ولا تحتمله هذه الصفحات إلا في حيز ضيق مخل بفائدة الترجمة، وأنفع من الإلمام به في حيزه الضيق أن يرجع إليه في مطولاته أو مختصراته عند الحاجة إليها.
ولم نقصد إلى الإفاضة في التعليق على مؤلفات الأدباء؛ لأن الشروح الطوال في هذا الباب ألزم من شروح التراجم والسير، ومواضعها - عند الحاجة إليها - ميسورة في كل لغة يكتب بها النقاد ومؤرخو الآداب.
إنما كان من اللازم أن نشير إلى ترجمة الأديب، أو إلى مؤلفاته، كلما كان في ذلك إشارة إلى ظروفه الخاصة التي جعلته موضع التمييز والمحاباة، وموضع الإهمال والإجحاف.
وقد أشرنا - فيما سبق - إلى ظروف كثيرة تفسر لنا أسباب التفاوت في أحكام اللجنة التي توزع جوائز نوبل الأدبية، ثم تفسر لنا كيف تتفاوت هذه الأحكام أحيانا، لأسباب غير الخطأ في التقدير، وغير الاستسلام لأهواء النفوس البشرية في علاقات الأفراد والجماعات، وجائزة نوبل شديدة الصلة بالأهواء السياسية التي لا يسهل إغفالها؛ لأنها على صلة رسمية بموقف حكومتها بين الحكومات.
وجملة ما نوجزه في هذه الخلاصة الختامية من أسباب التفاوت جميعا، أنها ضرورية لا مهرب منها في كل جائزة عالمية متكررة. «أولا» لأنها تنظر في أعمال المؤلفين خلال سنوات متوالية في أمم مختلفة، وقد يستحقها في هذه السنة من هو أقل استحقاقا لها قبل عشر سنوات، وقد يحرمها اليوم من كان أهلا لها لو تقدم به الزمن، أو تأخر به، بين أقران غير الأقران، وفي موضوع غير الموضوع.
ولا بد أن يتفاوت التقدير «ثانيا» لأن المحكمين يتغيرون، وتتغير الأذواق والمقاييس معهم بين حقبة وحقبة، وبين مدرسة ومدرسة من مدارس النقد والتفكير.
وتتفاوت الأحكام، «ثالثا» لأن اللجنة مضطرة إلى اجتناب الشبهات، والحذر من تمييز أمة واحدة بين الأمم بنصيب من الجوائز يزيد على نصيب غيرها عند المقارنة العامة، ولو كثر المستحقون بالمصادفة في أمة واحدة، وقل أمثالهم من المستحقين - بالمصادفة أيضا - في أمة تناظرها، ولا تتخلف عنها في ميادين الثقافة أو ميادين العمل لقضية السلام ومبادئ الأخلاق.
صفحة غير معروفة