ابتداء الله لاعطائه ما أعطاه من حجة العقل؛ التي ساوى بين العباد فيها في الإبتداء؛ لتقوم له بذلك عليهم الحجة في بلوغ أداء فرائضه، واستدراك معرفته، والإقرار بوحدانيته. وكرامة الله له، وزيادته في ابتدائه بما ابتدأه به؛ على قدر علمه بصيرورة أمره. واجتهاده في طاعة ربه، واقتدائه فيما أمر بالإقتداء به. وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم}. فكملت له صلى الله عليه وآله وسلم هذه الثلاث الخصال واجتمعت، والتأمت وتمت؛ مع غيرها من توفيق الله لنبيه صلى الله عليه وتسديده، وتأييده ومعونته. فعاد ذلك كله زيادات في عقله، وصار له حبيبا في كل أمره.
فكيف يلحق به أبو جهل اللعين، أو يشابهه أو يساويه في شيء من عطاء رب العالمين، وأبو جهل فلم يستحق من الله زيادة في شيء من أمره؛ لا بنية صالحة نواها، ولا بطاعة لله من ذلك أتاها، فيستحق على نيته ابتداء، وعلى ما ظهر من عمله(1) بالصالحات جزاء؟! ولم(2) يكن معه عليه لعنة الله غير ماكان من ابتداء حجة الله (3) المركبة في صدره، المجعولة في قلبه، لتكمل بها عليه الحجة، فترك استعمالها، ورفض النصفة لها، فصار بذلك ظالما لما في صدره من حجج الله فاستوجب بمكابرته لحجج الله عذاب الله وسخطه، وخذلانه ولعنته، فكابر أبو جهل ما زرع في قلبه، ورفض ما أمر به من أمر ربه؛ فاستأهل من الله جزاء سيء فعله، وحاق به كسب عمله، وصار في الضلالة متحيرا، وفي اللعنة من الله متصيرا؛ بما كان (4) له من حجج الله في صدره مكابرا.
صفحة ٧٠٤