فأما ما يذكر عن جدي صلوات الله عليه (محمد بن إبراهيم) القائم بالكوفة الذي صحبه (أبو السرايا) من تخليته للسارق الذي خلاه، وتركه لم يقطع يده، وقوله في ذلك: (( لم يذق عدلنا، فنجري عليه حكمنا )) فإنما أراد بقوله: عدلنا، أي تعليمنا وتفهيمنا، وتوقيفنا له على حلال الله وحرامه، حتى يعلم ما يجب به عليه القطع من غيره، وما تجب به عليه الحدود كلها.
وكذلك فعلنا نحن أيضا، في بعض ما دخلنا من القرى، فأتينا بسكران من جانب المسجد، وكان ذلك في وقت ما دخلنا، فسألناه عن فعله، فذكر أنه لم يعلم أنا نحرم الخمر، ولا أنا نحد عليها، ولا أنه يكون منا أدب فيها، فأزحنا عنه الحد بما أدلى به من جهله، وعرفنا له الحق علينا من أمره.
وذلك أن سيرتنا، والواجب علينا إذا دخلنا بلدا أن نكتب كتابا نبين فيه للأمة ما نقيم به الحدود عليها، ثم نقرؤه عليها في أسواقها ومساجدها، ومواضعها ومجتمعاتها، فإذا أتينا ذلك لها، وأعذرنا وأنذرنا بالحق إليها؛ جرت بعد ذلك أحكام الله سبحانه عليها، ومضت حدوده سبحانه فيها.
وإنما فعلنا ذلك لعلمنا بكثرة الجهال، وغلبة الضلال، وقلة الهدى، وتراكم الغفلة والهوى. وذلك لفقدان الرعا(1)، وعدم أهل التقوى، وبعد الأئمة الهادين، وقرب الأئمة الفاسقين، الذين لا يلزمون أنفسهم تعريف الأمة رشدا ، ولا اكتسابها برا ولا هدى.
صفحة ٧٣٦