ومما يقال لمن زعم أن من قال بلسانه، وترك العمل بجوارحه مؤمن، أن يقال له: خبرنا عمن قتل النفس التي حرم الله وزنى، وشهد شهادات الزور وأكل الربا، وقبل الرشا، وظلم المسلمين، وعطل أحكام رب العالمين، وشرب الخمر، وترك الصلاة، وأفطر شهر رمضان، ولم يؤد زكاة، وركب الذكور من الغلمان ولم يحل حلالا فيفعله، ولم يحرم حراما فيتركه، هل يكون من كانت فيه هذه الصفات مؤمنا حقا عندك؟ فإن قال: نعم، قيل له: فالواجب في القياس والحق أن يكون من أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وحج البيت، وأتم الصيام، وحافظ على الصلاة، واجتنب الزنى، ولم يركب الذكران، ولم يشهد شهادات الزور، ولم يأكل الربا، ولم يقبل الرشا، ولم يسفك الدماء على غير حلها، ولم يأكل أموال المسلمين ولا أموال اليتامى، ولم يحرم لله حلالا فيتركه، ولم يحلل له حراما فيفعله، وكان بالله عارفا، وعن محارمه واقفا، كافرا في قولكم حقا؛ لأن هذين المعنيين المتضادين لا بد أن يفترق معناهما، ويختلف سبيلهما، فيكونا باختلافهما متباينين، ويكون أهلهما والفاعلون لهما أيضا مختلفين، فيجب ما وقع لفاعل أحدهما(1) من اسم(2) وقع ضد ذلك الاسم لفاعل الصنف الآخر، والاسمان المتضادان فهو الإيمان والكفر، فحيث شئت من هذين الصنفين فأوقع اسم الإيمان على فاعلهما؛ فحيث أوقعت اسم الإيمان من هاتين الصفتين، وهذين المعنيين المختلفين وقع اسم الكفر على فاعل ضده، وحيث وقع اسم الكفر، فليس يقع معه اسم الإيمان، وحيث وقع اسم الإيمان فلن يقع معه اسم الكفر؛ لأن الاسمين مختلفان متضادان، ولا يجتمعان في اسم(3) واحد، كما لا يجتمع ليل ولا نهار في حالة واحدة، ولا حياة ووفاة على جسم واحد في حالة واحدة.
صفحة ٧٣٢