من ذلك أنا وجدنا الله تبارك وتعالى ألزم من ألزمه من أهل الكبائر القتل على ما يجترم من كبائر عصيانه، وكذلك فعله في من قتل مؤمنا ظلما متعمدا، وكذلك حكمه فيمن قطع الطريق وسفك الدماء، وكذلك حكمه فيمن عاند أئمة الحق من الباغين، فأوجب عليهم الحرب والقتال، والقتل والنكال؛ حيت يفيؤا إلى أمر الله، ويرجعوا إلى حكم الله، فلما وجدنا حكمه سبحانه فيمن بغى من أهل القبلة وتعدى القتل والقتال، حتى يرجعوا إلى الحق في كل قول وفعال؛ علمنا أنهم في ذلك الوقت وقت وقوع القتل بحكم الله عليهم، ووجوب الهلكة فيهم لله أعداء مباينون، وحرب لله محاربون؛ لأنه سبحانه لا يوجب الحرب والقتل على ولي من أوليائه، ولا يحكم به سبحانه إلا على عدو من أعدائه. ولم نجد الله سبحانه عادى إلا كافرا، ولا والى إلا مؤمنا؛ فلما أن قتلهم بحكمه، ومثل بهم سبحانه بأمره، علمنا أنهم من الموالاة أبرياء، وأنهم له بأحق الحقائق أعداء، وأنه لا يعادي سبحانه مؤمنا تقيا، ولن يباين بالمحاربة له عبدا زكيا. فصح عندنا بإباحة الله لدمائهم، وافتراضه ما افترض على المؤمنين من جهادهم؛ أنهم على غير ما ارتضى، وأن فعلهم على خلاف ما أحب(1) وشاء. ومن كان فعله على خلاف إرادة الله فليس من المؤمنين، ومن كان اختياره غير ما اختار الله فليس من المتقين، ومن ترك فرائض الله، وسعى في ضدها من حرام الله؛ فليس من المهتدين، ومن كان كذلك فهو لله من العاصين، ومن عصى الله وفسق في دينه، وخالف أمره في نفسه أو غيره؛ فلم يحكم في فعله بحكم الله، ومن لم يحكم بما أنزل الله فهو من الكافرين، وفي ذلك ما يقول أحكم الحاكمين، فيما نزل من الكتاب المبين: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}[المائدة: 44] فأخبر سبحانه بالدلالة على الكفرين، ووصفهم بالعدول عن شرائع الدين، ومن عدل عن شرائع الدين ولم يحكم في فعله بحكم رب العالمين؛ فهو في حكم الله عنده من الكافرين، لا يسميه ذو عقل وبيان، فيما أتى به من المعاندة لحكم(1) الله من العصيان، إلا بما سماه الله سبحانه من الكفران.
ومن الحجة في ذلك أنا لم نجد أصل الكفر والشرك من عبادة الأوثان، وعبادة الشيطان، وعبادة النجوم والأنصاب والنيران، والدعاء مع الله إلها آخر غير المعصية، بل وجدنا هذه الأنواع كلها هي من المعصية لله سبحانه، فيما صح عندنا أن من عبد من دون الله غيره أن لم يعبده إلا بمعصية الله سبحانه؛ لأن الله جل ذكره نهاه أن يعبد معه غيره، فتعدى أمره، فكان له عاصيا، وكان بعصيانه له كافرا؛ إذ نهاه أن يعبد معه غيره فعبد معه سواه(2).
وكذلك اليهود والنصارى لم نجد أصل كفرهم وشركهم إلا معصية الله في محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولو أطاعوا الله في محمد والتصديق بما جاء به من عند الله لكانوا مؤمنين، فثبت عليهم الشرك بمعصية الله، وترك طاعتهم لمحمد وهم بالله مقرون، وله فيما أمر به عاصون. فلما أن عصوه في أمره كانوا عنده كافرين، وفي حكمه فاسقين.
صفحة ٧٣٠