وكذلك تدبير الله في إبقاء روح الكافر بعد هلاك بدنه؛ لما في بقاء روحه عليه من الحسرة والبلاء؛ بما يعاين ويوقن ويبلغه من إخبار الملائكة وذكرها لما أعد الله له من الجحيم، والأغلال، والسعير وشرب الحميم، وما يصير إليه غدا من العذاب الأليم، فروحه في خزي وبلاء، وحسرات تدوم ولا تفنى، وحلول العويل به والشقا، فيكون ذلك زيادة في عذابه وبلائه، ومقدمة لما أراد الله من إخزائه، حتى ينفخ في الصور، فيحق بهذا الروح ما حق بغيره من الفوت، ويواقعه ما واقع جسمه من الموت. ثم ينفخ النفخة الثانية من بعد موت كل شيء، وهلاك كل حي، ما خلا الواحد الأحد، الفرد الصمد، المميت(1) الذي لا يموت، المحيي الذي لا يخشى من شيء فوتا. ولو كانت الأرواح تموت مع موت الأبدان؛ لكان في ذلك فرج(2) وراحة للكفار(3)، وغفلة وفرحة للأشرار، ولكان ذلك غما وكآبة على المؤمنين، ونقصانا وتضعضعا لسرور الصالحين.
فافهم باب حكمة الله وتقديره، وصنعه في ذلك وتدبيره، وما جعل في تأخير موت الأرواح من الكرامة للمؤمنين، والهوان للفاسقين، فإن أنت أفكرت(4) في ذلك بخالص لبك، واستعملت فيه ما جعل الله من مركب(5) فكرك، صحت لك آثار الحكمة في ذلك، وبان لك الأمر من الله سبحانه كذلك
[التفاضل بين الأنبياء والملائكة]
وسألت أكرمك الله عن الملائكة والأنبياء صلوات الله عليهم فقلت: أيهم افضل؟
والجواب في ذلك أن الملائكة أفضل من الأنبياء. والحجة في ذلك أن الفضيلة لا تكون إلا بفضل الأعمال، فلما وجدنا الملائكة أفضل أعمالا(6) وأكثر عبادة، حكمنا لها بالفضل على من دونها عملا.
صفحة ٧١٩