وكان معنى ذلك أن الله سبحانه خلق له كلاما في الشجرة سمعه موسى بإذنه، كما كان يسمع ما يأتي به الملك إليه من وحي ربه، فكان فهم موسى وسماعه لذلك الكلام الذي شاء الله إسماعه إياه؛ لما أراد من كرامته واجتبائه كفهمه لما به كان يأتيه جبريل عن الله من وحيه سواء سواء. فلما أن لم يكن بين الله سبحانه وبين موسى صلى الله عليه لهذا الكلام المخلوق في الشجرة مؤد يؤديه إليه؛ كما كان يكون فعله في غيره مما ينزله عليه؛ جاز أن يقول: {وكلم الله موسى تكليما}، يريد: أسمع موسى وأبلغه ما كان يريد من الكلام والوحي إسماعا؛ بلا مؤد لذلك إليه. فلما أن لم يكن بين الله وبين موسى مؤد للكلام إلى موسى وكان المتولي لجعل الكلام وفعله، وخلقه على ما سمعه موسى من البيان، والكفاية والتبيان قال الله سبحانه: {وكلم الله موسى تكليما} معنى {تكليما}، هو: تأكيد للإخبار منه عز وجل بما كان من عجيب فعله، وعظيم قدرته، وظاهر برهانه، وما ازداد موسى به بصيرة إلى بصيرته؛ من خلقه لكلام ينطق من غير لسان؛ كما ينطق به ذووا اللهوات والأدوات، واللسان والآلات.
فهذا معنى قوله: {تكليما}، لا كما يقول به الجاهلون، وينسب إلى الله الضآلون، من تشبيهه لخلقه، ونسب الكلام إليه على طريق التكلم به؛ كما يعقلون من كلام الآدميين، ويعرفون من كلام المخلوقين، تعالى عن ذلك أرحم الراحمين، وجل أن يكون كذلك رب العالمين.
[ما هو معنى الصور وكيف هو]
وسألت عن الصور، فقلت: ما هو؟ وكيف هو؟ وعلى أي صفة هو؟
واعلم رحمك الله أنه ليس ثم صور ينفخ فيه كما يقول الجاهلون، ويلفظ به العمون، وإنما الصور الذي ذكر الرحمن، فيما نزل من واضح النور والبرهان، هو: جميع الصور، والصور: جمع الصور والعرب(1) تقول: صورة وصورتان وصور، ثم تجمع الصور، فيكون جمعها صورا.
فهذا معنى الصور.
صفحة ٧١٤