قد أخطأ وأذنب، وقد قال -تعالى-: ﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ ١ ثم قال: وقد نص -تعالى- على موجب الظلم، وما يحكم به لصاحبه فقال -عز من قائل-: ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ ٢. ثم إنك أقررت ببغي معاوية ﵁ وأصحابه، ثم حكمت له بالمغفرة، وبالجنة بعد ثبوت الفاحشة منه، وهو البغي. وقد قال -تعالى-: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ ٣، ويقرنه بالفحشاء والمنكر، ويدخل فاعله -الذي لم يتب منه، ومات مُصِرًّا عليه -الجنة. ما هذا حكم بالعدل!
(فالجواب) من وجوه:
(أحدها): أن يقال: أنت قد نقضت كلامك هذا كله في كلامك الذي قبل هذا بأسطر يسيرة بقولك: قال كثير من العلماء المحققين: إن المطلق إذا ورد صرف، وخص بالأغلب المألوف المعروف حال الورود ... إلى آخره. وذلك أنه من المعلوم أن هذه الآيات التي جعلتها متناولة لأصحاب رسول الله ﷺ وهو معاوية ﵁ ومن معه، يقول لك منازعوك: إن المعروف المشهور عند أهل التفسير أنها نزلت في أهل الشرك والكفر، فكيف جعلتها في أصحاب رسول الله ﷺ، ولم تخص بها أهل الكفر المألوف المعروف في حقهم؟
(الوجه الثاني): أن المجيب ذكر أن الحديث على ظاهره ولم يغيره ولم يؤوله، ولكن ذكر أن إثبات البغي لهم لا يوجب فسقهم ولا كفرهم إذا كانوا متأولين مخطئين في ذلك. والمجيب لا ينْزههم من الذنوب والخطأ، لكنه ذكر ما دل عليه كتاب الله من أن البغي لا ينفي الإيمان عمن فعله، كما قال -تعالى-: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ ٤، فسماهم الله مقتتلين مع الإيمان.
(الوجه الثالث): قوله: فأين فائدة كلام الحكيم ﷺ؟ فيقال: إنما يعرف فائدة كلام الرسول ﷺ أهلُ العلم والإيمان، فهم الذين يهتدون به ويعرفون معناه