يغمض عينيه ويخفي رأسه تحت اللحاف، لكن يده تزحف. عظامها بارزة. يشد اللحاف من فوقه ويصيح: فز يا ولد شوف شغلك. - أرجوك سيبني أنام. - تنام إزاي يا إبليس؟ - زي خلق الله. - ومين يوسوس للناس يا ولد؟
صوته يدوي في أذنيه كصوت الرب، لكن أصابعه صفراء وأنفاسه لها رائحة التبغ، وعرق تحت الإبط كالشيخ مسعود. - معاك سيجارة يا إبليس.
دس ذراعه تحت وسادته. قبضت أصابعه على نصف سيجارة. أخفاها بسرعة تحت اللحاف. - هات السيجارة يا ولد! - لأ. - لأ يعني إيه يا ولد؟ - يعني لأ! - مش عارف أنا مين يا ولد؟ - عارف يا سيادة الرئيس. - رئيس مين يا حمار! أنا فوق الكل! فوق! - حاضر يا سيادة الجنرال. - جنرال مين يا حمار! أنا فوق! فوق!
لم يكن هناك من هو فوق الجنرال. هكذا سمع من زملائه الجنود. يمشي في المقدمة ومن خلفه الحرس. جسده ممتلئ باللحم الأبيض. يرتدي سترة من الجلد كالدب في بلاد الإسكيمو، يظهر على شاشة سي. إن. إن. في مشيته عرج خفيف. خطوته بطيئة. يمد ساقه اليمنى إلى الأمام كالساق الخشبية دون أن تنثني الركبة. يصعد الدم إلى وجهه مع حركة الساق. شدقاه يمتلئان بالهواء. شفتاه حمراوان، والشفة السفلى ممتلئة متهدلة قليلا فوق ذقنه. تهتز حين يدوي صوت المدافع. يرفع عينيه نحو السماء. يرقب الأشباح السوداء المحلقة في السحاب، طيور جارحة من نوع النسور، لها أجنحة من الفولاذ من بطنها تتساقط القنابل كرذاذ المطر الأسود. يتصاعد الغبار وذرات الرمل. يمتلئ الكون بشبورة صفراء، يصبح الهواء ثقيلا مشبعا بالدخان ورائحة نفط يحترق.
يصفق الجنرال بيديه كالطفل يلعب. يضحك بصوت عال ملقيا رأسه إلى الوراء. يرفع إبهامه إلى أعلى، هاتفا: فيكتوري! تدق طبول النصر. يصطف الجنود على جانبي الطريق، وجوههم ناحية الحائط ظهورهم الناحية الأخرى. من خلف الجنرال يسير الشيخ الأكبر مرتديا ثياب الملك، فوق كتفيه عباءة مطرزة بالقصب. رأسه ملفوف بطرحة بيضاء، والمدير يظهر إلى جوار الشيخ، والرئيسة داخل ثوبها الأبيض. تهتز الصفارة فوق نهديها، ومن خلفها تظهر الفرقة الموسيقية، وزنوبة تطرقع بالصاجات تغني وترقص: حبك نار يا حبيبي يا وطني! نار يا حبيبي نار!
يتوقف الجنرال متسع العينين. يهتف بكلمات متقطعة: أوه! نو! نو! أنبليفابل !
كلمة أنبليفابل تخرق أذنيه. يهرش رأسه ويلتفت حوله. لا أحد يفهم لغة الجنرال، إلا المدير ورئيس الجيش، والرئيسة تعرف بعض كلمات قليلة، منها «سانك يو»، يخرج الجنرال طرف لسانه، ويقلب حرف السين إلى ثاء، منحنيا أمامها وقبعته في يده: ثانك يو مسز بريزيدانت.
لم يكن يفهم من الكلمات الأجنبية إلا كلمة واحدة هي: نو. مألوفة لأذنه منذ ولدته أمه ترقد القطة إلى جواره وتقول: نو! نو! وأخته أيضا تموء بالكلمة نفسها: نو! نو! تقفز فوق قدم واحدة، تلعب معه الحجلة، وتضحك: نو! نو! تمسك القلم وتكتب في الكراسة حرف النون ثم حرف الواو، لكن الشيخ مسعود يخطف منها القلم. يلسعها على ردفيها بالعصا الخيزران. - امش يا بت يا نفيسة روحي لأمك! - والنبي يا سيدنا الشيخ عاوزة أكتب! - تكتبي إيه يا بت يا مقصوفة الرقبة!
في الليل ينام إلى جوارها فوق البرش. يسمعها تنشج بلا صوت. يدس الكراسة والقلم تحت وسادتها، وحين يلسعها الشيخ مسعود بالعصا يصوب النبلة نحو عمامته. يمسكها بيديه الاثنتين قبل أن تسقط. - تعال هنا يا ولد يا إبليس!
يجري خلفه بالعصا. لا ينقذه منه إلا أمه. تخطف منه العصا. تشوح بيدها المشققة في وجهه. - تضربه ليه يا شيخ مسعود؟ - ولد قليل الأدب ما حدش رباه. - متربي أحسن تربية! - تربية نسوان!
صفحة غير معروفة