ان يكتب في كل واحدة من مزاياه وخصائصه مؤلفا ضخما لما استطاع أن يوفيها حقها ، ويستوفى جميع خصوصياتها ، انظر مثلا الى شجاعته ومواقفه في سبيل الدعوة الى الاسلام وتضحياته العظمى وهو ابن عشرين أو دونها.
أنظر كيف اشتبك مع مشاهير الفرسان ، وبارز جمهرة الابطال الذين يعد واحدهم بألف ، فغلبهم وسقاهم الحتف ، وهو يومئذ غلام لم يمارس الحروب. ولم يتمرن على التقحم في لهوات المنايا ؛ وقد سارت بل صارت وقائمة ؛ وفوزه الباهر فى بدر وأحد وحنين والاحزاب وما اليها ، نعم سارت مسير الامثال ولاحاجة الى ذكره ، ولكن لو أراد الكاتب مهما كان مطلعا ومضطلعا بالكتابة ، ومالكا أعنة البيان أن يستوفى خصوصيات هذه الشجاعة من صبى نشأ وتربى في بيت أبيه شيخ البطحاء أبى طالب ، وفي حجر ابن عمه محمد صلى الله عليه وآله ، ربيب نعمة ، وفي ظل راحة ودعة ، لم ينشأ في الصحاري والقفار والبيداء ولم يتعلم الفروسية وتقحم الهيجاء ، فمن اين أخذ هذه الدروس ؟ وكيف استطاع التغلب على تلك النفوس ؟ نعم لو اراد الكاتب تحليل هذه القضية المعماة ، واستكناه أسرارها وبواعثها وتطبيقها على مجاري العادة نكص حائرا ووقف مبهوتا ، دع عنك صفين والجمل والنهروان وهو شيخ كبير قد لهزة القتير (1) فلم يختلف حاله في الشجاعة والبسالة بين ابان صباه وهو ابن العشرين وبينها وقد جاز عتبة الستين ، وهكذا لو أراد ان يكتب عن بلاغته ، ومعجز يراعته في كلماته القصار ، والجمل الصغار فضلا عن خطبه الطوال كالقاصعة والاشباح والملاحم ، وخطبه في وصف الطاووس والخفاش وأمثالها.
نعم لو أردت ان تدفع الكاتب الى ان يكتب عن بلاغة « نهج البلاغة » فقد
صفحة ٦٨