فؤاده من شعور يهون عليه المشاق. ودعوى الحب مع التفريط فى الحقوق، ومع الاستهانة باتباع الرسول دعوى منكرة، فإن من أحب الله تأسى برسوله، واستظل بلوائه، واقتفى فى الدقيق والجليل أثره، قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) . ولذلك قال الشاعر فى لوازم المحبة: تعصى الإله وأنت تظهر حبه!! هذا لعمرى فى الفعال بديع! لو كان حبك صادقا لأطعته! إن المحب لمن يحب مطيع. وهذا صحيح، فإن المحب ينفذ ما يطلبه منه حبيبه، بل هو يتشهى أمرا منه ليسارع إلى تأديته بشوق ورغبة.. إلا أن المرء قد تعرض له حالات مرضية يختل معها سلوكه، ولا تبلغ به هذه العاطفة مداها، كما تنقطع الدائرة الكهربائية فى أحد المواضع، فلا يضاء المصباح لاحتباس التيار. المعروف أن المرء يحب نفسه ويحرص على مصلحتها، ومع ذلك فقد يصاب بمرض يهدد حياته، ويأمره الطبيب بترك عادة له، حتى يستشفى مما ألم به فيعجز عن إجابة أمر الطبيب، ويقع فما حظر عليه!! إنه لا يكره نفسه، ولكن شلل الإرادة تحت تأثير العادة أزله بعيدا عما يجب. وبعض العصاة من المؤمنين لا يكرهون ربهم ولا أنفسهم، وإنما يقعون فى المخالفات تحت تأثير هذه الأحوال المعتلة. ولا ريب أنهم عند ارتكاب هذه المخالفات لا يكونون فى صحو فكرى كامل، إنهم أشبه بالمسهد الذى جن عليه الليل، وتصارع عليه الكلال والأرق، فتفكيرهم أدنى إلى الأحلام الطائشة منه إلى المنطق المستحكم الحصيف !! ولندع الآن الخوض فى نتائج المحبة، ولنتحدث أولا فى أسبابها. لماذا نحب الله؟ أو لماذا ينبغى أن نحبه؟ ونحن واجدون بعد التأمل الذى يجلى الضباب ويريح الغفلة أن الله أهل. لكل حب، وأنه أولى بتعلق القلب من حب المرء لوالده وولده ونفسه التى بين جنبيه ! ص _220
صفحة ٢١٠