قال لي وهو ينظر بعيدا: حأحكيها ليك بعدين، حتعرف كل شيء.
قلت له: قالوا فعلت بك الصافية فعلة نكراء؟
قال مندهشا: فعلت بي شنو؟ - قالوا إنو الصافية عندها «موضوع» زي بتاع الرجال، وأكبر شوية، نص حمار مثلا، يعني قدر بتاع الدحش كدا.
قال وهو يبتلع ريقه في ضيق بين: حأحكي ليك، الموضوع مختلف تماما، الناس هنا مغرمين بالأساطير، هو موضوع غريب، لكن ما عنده علاقة ببتاع حمار، ولا بتاع كلب، ولا بنية الوعي التناسلي.
جلسنا على قهوة في سوق العيش قرب الصيدلية، كان الجنقو يعبرون أمامنا إلى بطن الحلة جماعات جماعات، يتحدثون بأصوات عالية، وبلكنات كثيرة مختلفة، يثيرون الأغبرة من مشيهم السريع؛ حيث يسحبون أرجلهم سحبا على الأرض، يضحكون وهم يحاكون الجلابة، أخذ أصحاب المطاعم يغلقون أماكنهم، ونساء الشاي والطعام يفعلن الشيء نفسه؛ لأنهن يعرفن أن السوق قد «سبح وربح» وأن الجنقو لا يقنعهم الآن سوى مجلس الشراب، على النساء أن يلحقن بهم في الحلة لكي يبعن لهم العرقي، أو يهيئن لهم المفارش ، فهذه الأيام هي أيام الحصاد والمحصول هو الجنقوجوراي، دينه مضمون، ونقده أكثر ضمانا، بس كيف يدخل البيت، فالنساء يتخاطفنهم من الشوارع.
اعتذرت لنا صاحبة القهوة عن تقديم أي شيء لنا قائلة بوضوح: الرزق دخل الحلة، وعندي عرقي خايفاه يبور، أخير ألحق أبيع كباية كبايتين، ولا شنو يا إخواني؟ ربنا أجل سفرهم الليلة، فرصة، ولا شنو يا إخواني؟
هززنا رأسينا معا بالإيجاب، ونهضنا في وقت واحد من «البنبرين» مظهرين رضا تاما بقرارها، بل عن طريق حركات مقصودة، وهمهمات طيبة، أكدنا لها أنها تفعل الشيء الأكثر صوابا، وربنا يكون في عونها، تمنينا لها ذلك بصدق وإخلاص مما جعلها تترك لنا «البنبرين» في الراكوبة، طالبة منا عندما نغادر أن ندخلهما الحجرة، ونغلقها بالطبلة، التي تركتها دون إغلاق. - سمح يا إخواني؟
رد عليها بحنية: سمح يا أختي، سمح.
قلت لها: شكرا.
وقالت وهي تنسحب وعلى رأسها قفة المهمات: أنا بيتي جنب بيت الأم.
صفحة غير معروفة