ابتعد عنه ود أمونة محاولا الخروج، لكنه توقف عند الباب: ما عايز، لا تديني بوسة، ولا أديك بوسة.
غير السجان من نبرة صوته، وبدا جادا وحازما: كويس، لمان يجي الصول ويشوف الكباية الكسرتها تعرف حاجة. - حأكلم أمي.
قال الجاويش طباخ السجن مستهترا: أمك تعمل شنو، خليها تقدر على نفسها.
ثم أضاف بلين: بطنك تملاها من وين؟ تعال يا ود أمونة إديني بوسة، أو شيل مني بوسة زي ما تدور.
عندما ينتصف نهار السجن تسمع طقطقة الزنك، كأنها فرقعة عبوات رصاص صغيرة تقدح جماح العرق النسواني التعب، المتبل بفطر إبطهن وعاناتهن، رائحة البلاط وزنخ شعر الرأس الملبك بالأسطبة، والجورسي القديم، وطنين الذباب مختلطا بقهقهة السجانين، نداء الجاويش المسجوع من حين لآخر: موية يا بنات، الموية.
أخرجت الشامة مكافأة صغيرة من مطبقتها، وقدمتها لود أمونة؛ نظير متعة التفلية، وعربون خدمة قد تطلبها منه في يوم ما. العنبر الطويل يحتوي على عشرين سيدة: عجوزان اتهمتا قبل عشر سنوات ماضية بحيازة جوالين من الحشيش، صبية جميلة رقيقة اعتادت سرقة الذهب والمجوهرات، أمه بائعة عرقي البلح، وقد ضاعف قاض غيور على الدين العقوبة عليها سبع مرات؛ لأنها لم تقلع عن الفعل الحرام؛ جلدت مرارا، وغرمت تكرارا، وسجنت شهورا كثيرة متفرقات، الشامة اتهمت بقتل زوجها وتقول: إنه شرب الصبغة مع عصير البرتقال من تلقاء نفسه غيرة عليها، وأخريات، وأخريات، وأخريات، لكن ود أمونة كان لا يهتم بغير واحدة لا يعرف كم عمرها؟ ولا يفهم طبيعة جريمتها، كانت قليلة الكلام، تغني دائما بصوتها الشجي، وتحكي له قصصا طويلة تقصر عليه الانتظار الطويل بالسجن، ولو أنها كانت تقضي فترات طويلة مريضة طريحة بلاط العنبر، إلا أنها كانت الأكثر مرحا، هادئة، وطيبة، لينة، وصبور، أمه لا ترغب في أن يتقرب إلى العازة. - يا ولد أخير ليك تختى «تترك» الشرموطة دي.
وذلك أمام عازة مباشرة، وفي حضرة من حضر، لا يهم، تضحك عازة، وتجلس على الأرض، «تطلب مني أن أركب في ظهرها، وفي قفزة سريعة أركب، تنهض بي على الرغم من أرجلي الطويلة، تجري بي في الفراغ، الذي يقع بين العنبرين».
وعندما دخل الصول فجأة المطبخ، ارتبك الطباخ، أمر ود أمونة بأن يذهب إلى سجن الرجال، ويحضر الأواني الفارغة: بسرعة، يا ولد.
وهرب ود أمونة نحو عنبر الرجال.
أدخل هدية الشامة سريعا في جيبه، ثم تحسسها بكف يده اليمنى؛ ليتأكد من استقرارها هناك، باسته على خده قائلة: اجري غسل يديك، عايز تاكل بيهم كدا؟
صفحة غير معروفة