قلت مستعجبا، ومستغربا، ومندهشا: جنية؟
قال وهو يضع يده على كتفي في حركة غريبة: أيوا، جنية راسو عديل «حقيقية» جات «أتت» من البحر «النهر» دا، البلد كلها جنون ساكنين مع الناس، وما في زول عارفهم.
كان طويلا أسمر له بشرة لامعة ووجه حليق نظيف. - وأنت كيف عرفتها؟
قال بنفس قصير، وهو يبتلع ريقا جافا: عرفتها.
ولأنني لم أر هذا الجنقوجوراي من قبل، أتاني إحساس غريب، بأنه فرد من الجن، وجدتني أنظر إلى هيئته ، رجليه وأصابعه، متحريا العلامات التي يقال إنها تفرق ما بين الجن والبشر، وهي الأقدام، الجن دائما ما تكون أقدامهم أقدام حمير، والقلة كلاب، للرجل قدما بشر، وهيئة إنسان سوي، ولا غرابة فيه إطلاقا، غير أنه نظيف بعض الشيء، وفصيح، وله ثقة متزايدة بنفسه.
قال لي إنه أول شخص تعرف على ألم قشي في الشرق كله، ويظن أن ذلك كان شرفا كبيرا بالنسبة له، وأشار بصورة أو بأخرى فيما يعني أنه متميز، قابلها أثناء ما كان يعمل في مشروع عثمان عيسى هارون، بالقرب من كبري الهشابة، بينما جاءت هاربة من سجن بالحمرة، هكذا قالت له، كانت فقيرة وخائفة من أن يدركها الشرطيون الإثيوبيون ويعيدونها للسجن، قام بإخفائها في قطيته أسبوعا كاملا، قدم لها أجمل الطعام، والشراب، بل إنه اشترى لها بعض الملابس الجديدة لتتخلص من تلك - على حسب تعبيره - المقملة، وقال إنه كاد أن يصدق حكاية السجن والشرطيين الإثيوبيين والقمل، لولا أنه ذات صباح باكر راودته نفسه بمواقعتها، وقام بخلع ملابسها ليفاجأ بخاتم الجان مضروبا في ظهرها: في آخر الضهر «الظهر»، وجنب الصلب «الأرداف»، في شكل ختم النبي سليمان.
ورسمه لي في الأرض، سألني: شفت الختم دا ولا ما شفته؟
كان يشير للرسم الذي يبدو مثل نجمة النبي داوود بمثلثاتها الغريبة، وقد رأيته كثيرا منذ صباي الأول يرسمه الفكيان، والفقهاء الشعبيون على أوراق بيضاء، ويعطونها للنساء؛ لكي يستخدمنها كبخور لطرد الأرواح الشريرة، وجلب الحظ الجيد لهن ولأطفالهن.
قلت له باستسلام: في شيء، لكن هو ختم، ولا وشم، ولا شامة خلقة، والله ما فكرت فيه، ولكنه قريب من الشيء اللي رسمته أنت على الأرض.
كان في الواقع أن ما يوجد بظهر ألم قشي ورأيته أنا بأم عيني هو نفس الشكل الذي رسمه الجنقوجوراي إسحاق المسلاتي، وفي نفس الموقع الذي وصفه، كان واضحا، بل بارزا بينا لا يخفى، ولكنني كنت أضع مساحة لنفسي من أجل المراوغة.
صفحة غير معروفة