وهذه العبارات لها مدلولات كثيرة، لا تفي صفحات مختصرة أقدّمُ بها للكتاب في إعطائها شيئًا من حقّها، ولكن السؤال: هل إخراج الشيخين أو أحدهما، أو موافقتهما للمسند في الحديث، هل يعني ذلك: المتن، أو السند، أو هما جميعًا؟ .
وهذا هو الذي نراه في المؤلّفات عندما يقال: متّفق عليه، أو رواه أصحاب السنن، أو غير ذلك. فالذي يغلب على هذا التعبير هو اتّفاقهم على متن الحديث عن الصحابيّ.
فإذا نظرنا إلى عمل ابن الجوزيّ وجدْناه يستعمل هذه العبارة في حديث اتّفق الشيخان مع المسند في سنده كاملًا، أو في جزء من سنده، وربما كان الاتّفاق في التابعيّ الراوي عن الصحابي، وقد يصل الأمر إلى أن يكون الاتّفاق فقط في رواية الحديث عن الصحابيّ.
ثم إذا نظرنا إلى متن الحديث أيضًا وجدْنا الأحوال أنفسها، فقد يتّفق الشيخان أو أحدهما مع المسند في متن الحديث، وقد يكون الخلاف يسيرًا، في ألفاظ، أو تقديم أو تأخير. ولكن قد يكون الخلاف بينهم كبيرًا، بأن يكون في أحدهما زيادة أو حذف، وقد تكون هذه الزيادة فيها كلام. وكلّ هذا كان من عملي في التحقيق.
ويذكر هنا أن المؤلّف كان ينبّه على انفراد أحد الشيخين بالحديث أو اتّفاقهما عليه، ولو لم يكن في المسند، كأن يرويه عن أحد الشيخين، ثم يشير إلى انفراده به، أو إخراجهما له. كما أنّه علّق على بعض أحاديث أحمد بنقل حكم الترمذي عليه. كقوله (١٦٤٣). . حدّثنا أحمد، . . قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
وهكذا انتظمت أحاديث المؤلّف في "الجامع"، منسّقة في مسانيد، محذوفًا مكرّرُها، متصرّفًا في بعضها، مبيّنًا ما أخرجه الشيخان منها.
* * * *
ولكن هذا لم يكن هو العمل الوحيد للمؤلّف، فقد يقوم بتوضيح أسماء الرواة في السند أو بعد الانتهاء منه، وقد يضيف اسم الراوي إلى كنيته، أو يبدل أحدهما بالآخر، أو ينسب الراوي، أو يتمّم اسمه. . .
ففي المسند: حدّثنا قتيبة بن سعيد قال: حدّثنا بكر بن مضر عن ابن الهاد. .
وعندنا (١٦٥). . بكر بن مضر عن يزيد بن عبد اللَّه (وهو ابن الهاد).
مقدمة / 26