ولا يقتصر تصرّف ابن الجوزيّ في مصادره على ما ذكرنا في الأسانيد، بل تعدّى ذلك إلى تصرّفه في متون الأحاديث، حذفًا واختصارًا وتقديمًا وتأخيرًا، وسأعرض أمثلة مختصرة لذلك:
ففي الحديث (٢٣٦٣) الذي رواه عن أحمد بإسناده إلى أبي محذورة قال: قال لي رسول اللَّه ﷺ: "قل: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر. . .".
والحديث في المسند: قال أبو محذورة: خرجت في عشرة فتيان مع النبي ﷺ وهو أبغض الناس إلينا، فأذَّنوا، فقُمنا نؤذِّن نستهزىء بهم. فقال النبيُّ ﷺ: "ائتوني بهؤلاء الفتيان" فقال: "أذِّنوا" فأذَّنوا، فكنتُ أحدَهم، فقال النبي ﷺ: "نَعَمْ، هذا الذي سمعتُ صوته. اذهبْ فأذّن لأهل مكة" فمسح على ناصيته وقال: "قل: اللَّه أكبر. . .".
ويروى حديثًا بإسناد أحمد إلى عبد الرحمن بن سمرة (٤٢٨٥) أنّ رسول اللَّه ﷺ قال: "إذا كان يوم مطر فليُصَلِّ في رَحله".
وهو في المسند بعد الإسناد: أنّ عمّار بن أبي عمّار مرّ على عبد الرحمن بن سمرة وهو على نهر أم عبد اللَّه يُسَيِّلُ الماء مع غلمته ومواليه، فقال له عمّار: يا أبا سعيد، الجمعة. فقال له عبد الرحمن: إن رسول اللَّه ﷺ كان يقول: . . .
وفي الحديث (٥٩٣٦) في المسند. . أنّه قال لقومه: اجتمعوا أصلّي بكم صلاة رسول اللَّه ﷺ، فلمّا اجتمعوا قال: هل فيكم أحدٌ من غيركم؟ قالوا: لا، إلا ابن أخت لنا. قال: ابن أخت القوم منهم. فدعا بجَفنة. . .
والذي عندنا: أنّه قال لقومه: اجتمعوا أصلّي بكم صلاة رسول اللَّه ﷺ، فدعا بجفنة. .
وقد علّقت على خبر طويل نقله عن "الطبقات" لابن سعد واختصره (٢٢٨٦). وأحاديث كثيرة ملأتُ حواشي الكتاب بالتنبيه عليها.
* * * *
والمؤلّف بعد أن يذكر الحديث، يكون من غرضه أن ينبّه على إخراج الشيخين أو أحدهما له، فيقول: أخرجاه. انفرد بإخراجه البخاري. انفرد بإخراجه مسلم. أخرج البخاري الأوّل ومسلم الثاني. أخرجه مسلم مختصرًا. أخرجه البخاري دون قوله. . أخرجه مسلم من هذه الطريق، وأخرجه البخاريّ من طريق. . . وهكذا. .
مقدمة / 25