(والجواب الثالث) أنه أخبر عن حال نفسه أني لا أعتمد عليه وأنه لا يناقض ما اعتمد عليه الشافعي لأن الدليل الواحد يترجح على الباقي عند بعض المجتهدين ولا يترجح عند البعض وذلك لأسباب مختلفة موضع ذكرها علم أصول الفقه ولهذا اجتمعت الأمة على رفع الإثم عنهما*
(وأما قوله) عفا الله عنه حاكيا عن ابن المبارك أنه قال لأبي حنيفة في رفع اليدين عند الركوع حديث البراء فقال أبو حنيفة كأنه يريد أن يطير*
(فالجواب عنه من وجوه ثلاثة) (أحدها) أن حديث البراء بن عازب في رفع اليدين لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يحيى بن معين في تاريخه حديث البراء في رفع اليدين لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما علم أبو حنيفة اعتلاله ولم يستحسن ذكر الرواة الأموات بسوء دفع ابن المبارك على وجه المداعبة والملاطفة إكراما منه إذ لم يرد أن يلقمه حجرا كما فعله في حق الأوزاعي لما سأله عن رفع اليدين على ما حكى عنه سفيان بن عيينة*
(والجواب الثاني) أن مسلما رحمه الله ذكر في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال مالي أراكم ترفعون أيديكم في الصلاة كأنها أذناب خيل شمس اسكنوا في الصلواة*
(والجواب الثالث) ما يجيء في باب الصلاة إن شاء الله تعالى مما أسند أبو حنيفة من الأحاديث والآثار ما يظهر به أن الرفع بدعة والدليل على هذا أن حديث رفع اليدين حديث رواته مدنيون ومالك بن أنس رضي الله عنه لم يأخذ به ولم يعمل به وأنه أعلم برواية أهل بلده من غيره*
صفحة ٥٩