(وقال) أبو زيد الكبير رحمه الله بأن القياس المؤثر حجة (والباقي) ليس بحجة* وقال الشافعي رحمه الله بأن الأنواع الأربعة من القياس حجة ويستعمل قياس الشبه كثيرا فمن ذلك قياس المطعومات على المنصوصات للمشابهة بينهما في الطعم وإن لم يكن الطعم مؤثرا في الزيادة وفي المقدار كالكيل والوزن (ومن ذلك) قوله أن العاقلة تتحمل قليل الجناية لمشابهتها الكثيرة (ومن ذلك) قولهم الخل مائع لا تبنى القطرة على جنسها فلا يزيل النجاسة كالدهن وإن لم يكن ذلك مؤثرا فجمع الشافعي بين الخل والدهن لمشابهتهما في الصورة وأبو حنيفة جمع بين الخل والماء في المعنى المؤثر في إزالة النجاسة من الترقيق بالمجاورة والشيوع بالدلك والتقاطر والزوال بالعصر ولذلك أمثلة كثيرة ثم العجب أن أبا حنيفة لا يستعمل إلا نوعا ونوعين والشافعي يستعمل الأنواع الأربعة ويراها حجة*
(ويقول) الخطيب وأمثاله بأن أبا حنيفة كان يستعمل القياس دون الأخبار وهذا لغلبة الهوى وقلة الوقوف على الفقه* والوجه لإبطال ما قال أنه كان لا يتبع الأخبار أن من عرف مآخذ أبي حنيفة وأصحابه عرف بطلان ما قاله* (وبيان) ذلك من حيث التفصيل أن أبا حنيفة رحمه الله قال بأن القهقهة في الصلاة ناقضة لحديث الأعمى الذي وقع في الزبية فضحك بعض القوم قهقهة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا من قهقه منكم فليعد الوضوء والصلاة وهذا الحديث وإن كان ضعيفا فقد قال به أبو حنيفة وترك به قياس القهقهة في الصلاة على غير الصلاة خلافا للشافعي رحمه الله فإنه أخذ بالقياس*
وقال أبو حنيفة يجوز الوضوء بنبيذ التمر لحديث ابن مسعود ليلة الجن وإن كان ضعيفا فقد أخذ به أبو حنيفة وترك به قياس النبيذ على سائر الأشربة خلافا للشافعي رحمه الله تعالى فإنه أخذ بالقياس*
(فعلم) أن أبا حنيفة يقدم الأحاديث الضعيفة على القياس ولكن رأي الخطيب وأمثاله أنه ترك أبو حنيفة العمل ببعض الأحاديث التي أخذ بها الشافعي وظنوا أنه تركها بالقياس ولم يعلموا أنه تركها لأحاديث أصح منها*
(فمنها) قوله عليه السلام إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا* تركه أبو حنيفة لأنه ليس في الصحيحين ولأن القلة اسم مشترك وإسناده مضطرب وأخذ بالحديث الذي اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم على إخراجه في صحيحيهما وهو قوله عليه السلام لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه* ولفظ مسلم رحمه الله ثم يغتسل منه*
صفحة ٤٣