(والمانع الثالث) أن سب الخطيب وذكر ما قيل فيه اشتغال بما لا يعنينا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه* ومن أراد أن يعرف سريرة الخطيب فليطالع ترجمته من (كتاب التاريخ الكبير لدمشق) الذي جمعه الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله الشافعي و(كتاب الانتصار لإمام أئمة الأمصار) الذي جمعه الحافظ يوسف سبط ابن الجوزي رحمه الله فترى من سيرته وسريرته ما يقضي منه العجب كيف يتكلم مثله في الإمام أبي حنيفة رضوان الله عليه*
(والجواب الثالث) أن رواية من كان كثير الغلط والزلل وإن كان ورعا غير مقبولة والخطيب بهذه المثابة وقد كفى تقرير ذلك الإمام الحافظ ابن الجوزي في كتابه الموسوم (بالسهم المصيب في الرد على الخطيب) وغيره من العلماء فلا نذكرها عملا بالموانع السابقة*
(والجواب الرابع) أن الذي حكى عنهم المطاعن حملهم الحسد فإن ذا الفضل لا يزال محسودا وأن الحاسد لم يزل مطرودا ولعمري إن الحسد قلما ينجو منه أحد وسببه أن الآدمي لا يحب أن يفوقه أحد من أبناء جنسه فإذا رأى من قد برز عليه امتعض في باطنه فإن كان عاقلا تقيا قهر نفسه وحفظ لسانه وتمنى مثل تلك النعمة لنفسه ولا يتمنى زوالها عنه فهو في غبطة وهو قوله عليه السلام لا حسد إلا في اثنين رجل آتاه الله مالا فهو ينفق منه في سبيل الله الحديث وإن كان غير تقي غلبت نفسه الأمارة بالسوء فتعرض للمحسود* ثم هم على مراتب* فمنهم من يتعرض له بالسيف والسنان* ومنهم من يتعرض له باللسان* ومنهم من تغلبه النفس الأمارة بالسوء تارة وتارة يغلبها وهم العلماء الذين حسدوا أبا حنيفة رضي الله عنهم أجمعين فتارة مدحوه وتارة قدحوا فيه وهكذا حال المؤمن يغلب الشيطان تارة ويغلبه أخرى وقد صرحوا بذلك واعترفوا به منهم ابن أبي ليلى فإنه كان يقع في أبي حنيفة تارة ويمدحه تارة أخرى فقيل له في ذلك فقال الفتى محسود*
صفحة ٤١