قيل لهم: يتعوذون من شر الجسم، أو من شر الفعل؟
فإن قالوا: من شر الجسم فقد أحالوا أن الحية والعقرب وكل دابة إذا كانت ميتة لا تقدر على فعل لم يكن للتعوذ منها معنى؛ لأن المتعوذ إنما يتعوذ من شر أفعالهم لا من شر أجسامهم، فثبت أن الشر الذي يتعوذ منه هو ما خلق الله من شر أفعالهم، |فثبت أن ما تعوذ منه هو ما خلق الله من شر أفعالهم|، فثبت بهذا أن كل شيء من أفعال الخلق يتعوذ منه فهو مما خلق الله.
ولو كان قوله: {من شر ما خلق} إنما أراد أن يتعوذ من الأجسام لا من الأفعال، كأن يقول تعالى: "ممن خلق"؛ لأن كل شيء حي مخلوق، فإنما يقال: "ممن خلق".
فإذا كان فعلا قيل: "هذا مما خلق الله"، وقد قال الله: {أهم أشد خلقا أم من خلقنا}، لم يقل: "ما خلقنا"؛ لأنه أراد الملائكة، ولما ذكر الفعل قال: {أماذا كنتم تعملون}، فثبت أن قوله: {من شر ما خلق} يريد من الأفعال التي خلقها.
ومن الدلالة على خلق الفعل: قوله: {ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا}، فثبت أن الله يصيب الكفار بأيدي المؤمنين، فيكون فعل المؤمنين بالكفار من القتل والجراحة مصيبة أصابهم الله بها، فأضاف ذلك إلى الله أنه أصابهم بها على أيدي المؤمنين، فذلك فعل من الله أصابهم إياه بتلك المعصية، وهو فعل المؤمنين، فهذا دليل على أن فعل الخلق يضاف إلى الله على معنى.
وقال: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم}، فثبت أن قتالهم وضربهم بالسيف عذاب عذب الله به الكفار، وهو فعل المؤمنين جعله الله عذابا على أيديهم.
والدليل من السنة على خلق الفعل قول النبي ^ وآثار الصحابة أن الفعل مخلوق. قول النبي ^ لمعاذ: «ما خلق الله خلقا أحب إليه من العتاق، ولا أبغض إليه من الطلاق».
صفحة ١٣٢