قال الله تبارك وتعالى: ? { وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد } . (¬1) وقد طعن قوم من الملحدين في القرآن لاختلاف القراءة (¬2) واختلاف (¬3) أهل العلم في قول الرسول عليه السلام: "أنزل القرآن لنا على سبعة أحرف كلها شاف كاف". فأما الملحدون فلا معنى لقولهم وطعنهم من هذا الوجه؛ لأنهم ذهبوا من الاختلاف إلى التناقض ولم (¬4) يجدوا ذلك بحمد الله، وليس من المحال أن ينزل الحكيم (¬5) كلاما (¬6) يأمر بحفظه ودرسه، ويبيح في قراءته الوجوه الصحيحة، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم شاهد بما قلناه، فأما تفسير قول الرسول عليه السلام: أنزل القرآن على سبعة أحرف، قال بعض أهل العلم بالقرآن: ذهب إلى السبعة (¬7) الأحرف: وعد، ووعيد، وحلال وحرام، ومواعظ، وأمثال واحتجاج. وقال بعضهم: حلال، وحرام، وأمر، ونهي، وخبر ما كان قبل، وخبر ما هو كائن بعد، وأمثال، وقال قوم: هي سبعة أوجه من اللغات متفرقة في القرآن، لأنه لا يوجد فيه حرف واحد قرئ على سبعة أحرف. وقال بعضهم: هي سبع لغات في الكلمة، وقد تكلم أهل العلم في هذا المعنى وأكثروا، وبينوا معاني قولهم بالاحتجاج الصحيح، وهو معروف في آثارهم، وكل قد قال فيه بما يحتمل جوازه، ألا ترى أن الألفاظ قد تختلف ولا يختلف المعنى لاختلاف الألفاظ، والاختلاف فرعان: اختلاف تغاير واختلاف تضاد لا يجوز، وليست واحدة. والحمد لله في شيء من كتاب الله تعالى، إلا في الأمر والنهي من الناسخ والمنسوخ، واختلاف التغاير جائز، وذلك قوله: ? { وادكر بعد أمة } (¬8) بضم الألف، والتشديد أي بعد حين.
¬__________
(¬1) فصلت: 24.
(¬2) في (ب) القراءات.
(¬3) في (ب) و (ج) واختلف.
(¬4) في (ج) ولن.
(¬5) في (ب) و (ج) الحكم.
(¬6) في (ب) كلما.
(¬7) في (ج) إلى أن السبعة.
(¬8) يوسف: 45.
صفحة ٤٨