فأما المعنى في متشابه الكتاب فإن الله جل ذكره خلق عباده ليمتحنهم فيثيبهم كما قال جل وتعالى: { ?إنه يبدؤ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط } (¬1) ، فعرضهم بخلقه إياهم على المنازل وأشرفها وهو الثواب الذي لا خلاف بين أهل العقول في أنه أشرف من التفضل. والله جل وتعالى جواد كريم، لا يقتصر لعباده (على ما غيره أعلا وأشرف)، (¬2) إذا كان ذلك حكمة وصوابا، ولو كان القرآن كله محكما لا يحتمل التأويل، ولا يمكن الاختلاف فيه لسقطت المجنة (¬3) فيه وتبدلت (¬4) العقول وبطل التفاضل والاجتهاد في السبق إلى الفضل واستوت ومنازل العباد، والله يتعالى أن يفعل ما هذا سبيله، بل الواجب في حكمته، ورحمته ما صنع وقدر فيه، إذ جعل بعض محكما ليكون أصلا يرجع إليه، وبعضه متشابها يحتاج فيه إلى الاستخراج والاستنباط، ورده الحكم وإعمال العقول والفكر. ليستحق بذلك التواب الذي هو العوض، فإن قال قائل: أفما كان الله قادرا على أن يوصل العباد إلى الثواب من غير محنة؟ قيل له: إن الله على ذلك لقادر (¬5) وعلى ذلك (¬6) قدير، وليس كل ما يقدر عليه يفعله جل عن ذلك وتعالى، بل لن يفعل إلا الحكمة والصواب من التدبير، ولو كان يعطي منزلة العامل المجتهد من لا عمل له ولا يساوي (¬7) دون المؤمنين في الجنة بنبي الله عليه السلام في منزلته ودرجته إذ كان الله على ذلك قادرا، الذي أفسد هو، (¬8) ما سأل عنه السائل ولله المنة.
باب الرد على من يدعي الزيادة والنقصان في القرآن
¬__________
(¬1) يونس: 4.
(¬2) في (1): على غيره وأشرف.
(¬3) (ج): المحبة.
(¬4) في (أ) و (ب): وتبدلت.
(¬5) في (ج): قادر .
(¬6) في (ج): وعلى ما يشاء قدير.
(¬7) وأن يساوي.
(¬8) في (ج): والذي أفسد هو الذي أفسد.
صفحة ٣٣