أن الوصية لا تجب لمن كان وارثا والله أعلم. واختلفوا في ذلك من وجه آخر فقال قوم: الناسخ والمنسوخ قد يكون في وصف الله والثناء عليه، وفيما ليس بأمر ولا نهي من الخبر وغيره، وقد بينا قبل هذا ما نذهب إليه ونختاره وهو قول أهل الحق: إن النسخ لا يجوز أن يكون إلا في الأمر والنهي، وقال قوم ممن ليس يلتفت إلى قولهم إلا إنهم على حال ينسبون إلى أهل القبلة: إن الآية المنصوص عليها زعموا مفوض إليها نسخ القرآن وتبديله، وتجاوز بعض فأفرط حتى خرج من الدين بقوله إن النسخ يجوز على سبيل الابتداء (¬1) وهو أن يأمر الله بالشيء، وهو لا يريد في وقت أمره أن يغيره ويبدله ولا يبدله، ثم يبدو له فيغير ذلك ويبدله وينسخه جل ذكره وتعالى عما قالوا ، وعندهم إنه لا يعلم الشيء حتى يكون إلا ما يقدره، فيعلمه على تقديره. وزعم قوم ممن يدعي علم القرآن: إنما أنزل بالمدينة ناسخ لما نزل بمكة، وهذا غلط عندي لما ذكرنا من أمر النسخ لا يكون إلا في الأمر والنهي؛ لأنه قد يجوز أن يكون قد نزل بكلمة ناسخ لما (¬2) تقدمه في النزول بها، كذلك القول فيما نزل بالمدينة، فمن الحجة على من أبطل بالنسخ (¬3) وأفسده ورأى أن القول به كالقول بالبداء، ما وجدناه من أفعال الله جل ذكره وهو يحيي الإنسان، ما كانت الحياة أصلح له في التدبير ثم يميته، ويصحه ما دامت الصحة أصوب في تدبيره تعالى ثم يسقمه. ومن الحجة عليهم أيضا اختلاف شرائع الأنبياء صلوات الله عليهم في الأحكام لا في التوحيد والوعد والوعيد، ونسخ بعضها البعض، فإن أنكر منكر وزعم، أن شرائع الأنبياء صلوات الله عليهم كانت متفقة، وأن شيئا منها لم ينسخ ما تقدمه فالحجة عليه قول الله عز وجل عن المسيح (¬4)
¬__________
(¬1) في (ب) و (ج): البداء.
(¬2) في (ب) ، (ج): ما تقدمه.
(¬3) في (ب): النسخ.
(¬4) في (ج) حكاية عن المسيح..
صفحة ٢٥