وهذا أقرب إلى الهجاء منه إلى النقد، والدعاية المضادة منه إلى التحليل العلمي الرصين. (6)
الشعب الفرنسي: له النصيب الأوفر من الأصول الستة. فرفع منار العلم والصناعة بعد الرومان حتى ظهر فولتير وروسو يزعمان حماية العدل ومغالبة الظلم، وإنارة الأفكار، وهداية العقول. فنبشا قبر أبيقور الكلبي، وأحيوا الدهريين الذين نبذوا كل تكليف ديني، وغرسوا الإباحة والاشتراك، وجعلوا الآداب خرافية، والأديان مخترعة بسبب نقض العقل الإنساني، وإنكار الألوهية والتشنيع على الأنبياء. خطأهم فولتير، وسخر منهم، وقدح في أنسابهم، وعاب رسالتهم ومع ذلك دخلت الأباطيل نفوس الفرنسيين، ونالت من عقولهم، فنبذوا المسيحية، وتحولوا إلى شريعة الطبيعة، وألهوا جمال النساء في محراب الكنيسة. وكل ما في الطبيعة من آثارها وليس من الله. وكانت تعاليم الدهريين سبب اندلاع الثورة الفرنسية التي فرقت أهواء الأمة وأفسدت أخلاق الناس. فاختلفوا وانقسموا. وانغمس كل فريق في شهوته، وأعرض الجميع عن المنافع العامة. واختلت سيادتهم الخارجية. وحاول نابليون الأول إعادة المسيحية ولكنه لم يستطع محو الأضاليل، فظلوا مختلفين إلى الآن. قالوا بالاشتراكية ومذهب الكمون، نسفوا كل عمران على أرض فرنسا.
22
وواضح أن الأفغاني هنا أيضا يضع فولتير وروسو مع الدهريين وهما من أنصار التأليه الطبيعي
Deism . كما يعارض فلسفة التنوير ويرفض الثورة الفرنسية، ويضع نفسه مع المشايخ المعممين مما يجعل موقفه النظري أقل جرأة ونقدا من مواقفه العلمية، ويمثل خلفا بين النظر التقليدي والعمل الثوري.
ويخصص الأفغاني جزءا خاصا لدحض مطلب السوسيالست (الاجتماعيون)، والنهيلست (العدميون) والكومونيست (الاشتراكيون) مستعملا اللفظ المعرب كأساس واللفظ المترجم كفرع. وهم صنوف من الدهرية في الأمة الفرنسية. تزين الظاهر وتدعي الدفاع عن الضعفاء والمطالبة بحقوق المساكين والفقراء. وكل طائفة لها غاية مخالفة. ولكنها تشترك جميعا في رفع الامتيازات الإنسانية، وإباحة الكل، واشتراك الكل في الكل، وسفك الدماء، وتخريب العمران، وإثارة الفتن. المشتهيات في الأرض منحة من الطبيعة ومن فيضها للتمتع بها دون اختصاص واحد بها دون الآخر. الدين والملك عقبتان عظيمتان ضد الطبيعة، أي الإباحة والاشتراك. والحل هو القضاء على السلطتين الدينية والسياسية، قتل الأغنياء، وإنشاء المدارس تحت ستار المعارف والبداية بالتربية، إشارة إلى روسو. وهي في النهاية طوائف تؤدي إلى انقراض المجتمع البشري، وواضح أن الأفغاني قد وقع ضحية التفسير الرأسمالي للدين، وينقد الاشتراكية والاجتماعية، ويخلط بينهما وبين الشيوعية والعدمية. يرى العيب في نقد الامتيازات والقضاء على الإقطاع وملاك الأراضي، ونقد السلطتين الدينية والسياسية!
23
ويخصص الأفغاني فقرة خاصة لمورمون. وهو أيضا من دعاة الطبيعة. ظهر في إنجلترا وأمريكا. وادعى أنه ملهم من الطبيعة. يقول بالإباحة والاشتراك للمؤمنين بالطبيعة دون غيرهم. ودعا كل مؤمن إلى الاجتماع مع كل مؤمنة. فالزواج شركة، والنبوة اشتراك. وهي الدعوة المنتشرة الآن في أمريكا في يوتا، والتي تسمى الطائفة باسمه.
24
وينهي الأفغاني هذا النقد النظري العملي بالإعلان عن أساس النقد
صفحة غير معروفة