فهذا القول إذا ليس يدفع ولا يعطل الفوائد الفاضلة التى تستفاد بالفلسفة بل يشرحها ويعلم ما هو مجهول منها عند كثير من الفلاسفة، وذلك لأن الذين ظنوا أن جميع الناس قابلون للفضيلة، وقولهم مساو لقول من قال: إنه ليس يولد الإنسان شريرا فى طبيعته، والذين ظنوا أنه ليس أحد يختار العدل لنفس العدل، إنما يظن كل واحد منهم فى الطبيعة الإنسية على النصف، وذلك لأنه ليس جميع الناس بمبغضين للعدل بطبيعتهم ولا كلهم محبين، لأن الفريقين إنما هما كذلك من قبل أمزاج الأبدان، إلا أنهم يقولون: فكيف إذا نحمد أو نذم أو نحب أو نبغض الإنسان بالعدل، وهو لا يكون خيرا ولا شريرا من قبل نفسه بل من قبل المزاج الذى إنما اكتسبه من أسباب أخر؟ فنقول: إن لنا أجمعين فى الطبيعة أن نألف الخير ونقبله ونحبه ونهرب من الشر وندفعه ونبغضه، من غير أن نتقدم فنقيس هل ذلك بالطبع أم بغير الطبع أم فعله فيه غيره، وذلك أنا قد نبغض العقارب والرتيلاء والافاعى ونقتلها وان كانت من طبيعتها صنعت كذلك وليس هى صيرت أنفسها. والإله الأول العظيم يقول افلاطن انه غير منوع ولا مكون ويسميه خيرا جوادا ونحن جميعا نحبه حبا طبيعيا، وإن كان كذلك منذ الدهر وليس هو جعل نفسه كذلك، لأنه ليس بمكون ولا مصنوع بل لم يزل كذلك. فبالحق إذا نبغض الناس الأشرار من غير أن نتفكر فى السبب الذى أصارهم الى ذلك ويحل الأحرار منا بخلاف ذلك المحل، فنقبلهم ونحبهم، وإن كانوا صاروا كذلك من الطبع وان كانوا من التاديب والتعليم وان كانوا صاروا بالارادة. وبالق نقتل الذين حالهم فى الشرغير قابلة للعلاج لثلاث علل: واحدة منها لكيما لا يؤذونا إن بقوا أحياء، والثانية ليكما يدخل بهم الفزع على أشباههم بأنهم يعاقبون إن هم جنوا ةمثل جنايتهم، والثاثلة أنهم إذ كانوا من الفساد فى حال شر غير قابل للعلاج، فإن الموت أصلح لهم من البقاء على دوام شرارتهم، فإن من طبائع الانفس ما تبلغ بها الشرارة إلى حد لو أن الموسى أدبتها دع أن أقول سقراطيس أو فيثاغورس لم يمكن فيها الميل إلى الفضيلة.
صفحة ٤٠