قال جالينوس هذا القول أيضا مما يتبين به أن هذا الكتاب إنما كان صاحبه قد رسم رسومه ولم يحكم أمره فوقع إلى الناس من بعد وفاته ومن عادة من ينسخ ما هذا سبيله من الكتب أن يأخذ الشىء الذى أعاده صاحب الكتاب مرتين لينظر ويتخير أى العبارتين عن ذلك المعنى أبلغ وأجود فيستعملها ويسقط الأخرى فيدخله فى جوف الكتاب وإلا فمن يمكنه أن يصدق أن إنسانا يحب أن يثبت فى كتاب واحد بعينه أشياء بأعيانها مرتين من غير أن يكون هناك شىء يوجب ذلك ضرورة وخاصة فى كتاب قد قصد فيه صاحبه إلى الغاية القصوى من الإيجاز ولكن إذ كان من تقدمنا من المفسرين قد رأى من الرأى أن يفسروا ما هذا سبيله من الكلام فقد رأيت أن أتبعهم وأقتدى بهم فى ذلك فأقول إنه قد بان فيما تقدم أن قوله جملة الأمر فى الأشكال هو مساو لقوله لو قال إن الأغراض التى نقصد إليها فى الأشكال حتى يستخرج لكل واحد من الأعضاء الشكل الموافق له الخاص به هى كذا وكذا وقد قال أيضا فى الأقوال المتقدمة ان العادات هى واحد من الأغراض التى هذا سبيلها قال وأما الإعطاء والتمديد والمد إلى أسفل وسائر الأشياء الأخر فلتكن على ما يجرى به الطبع ومجرى الطبع ينبغى أن يتعرف ما يريده ويقتضيه فى الأعمال فى مباطشة العمل وأما عند هذه فمن الذى يسكن ومن الذى هو عام ومن العادة أما من الذى يسكن وينزل فاستقامة الحدود بمنزلة ما هو لليد وأما من الذى هو عام فالبسط والقبض بمنزلة الذى هو قريب من المزوى للساعد عند العضد وأما من العادة فلأنها لا تطيق ما لم تعتده من الأشكال الأخر أكثر من الذى قد اعتادته مثال ذلك أن الرجلين للبسط أحمل لأنهما فى هذا الشكل يمكنان أطول المدة بأسهل ما يكون من غير أن يبدلا فرجل قد كتب هذا فى أول كتابه ما كان ليكتب ما هو أخس منه فى هذا القول الذى قصدنا لشرحه ومما يدلك أن هذا أخس من ذلك أنه بعد أن قال ان العادات والطبائع فى كل واحد من الأعضاء أراد بعقب ذلك أن يعرف أنواع هذه أعنى أصنافها من الأفعال وقد أضاف قوم إلى قوله أنواع وزادوا فيه ذكر الأعضاء ليكون القول على هذا النحو وأما أنواع الأعضاء وسائر ما يتلو ذلك وضرب بالرجلين مثلا مثل ما يقال من العدو والمسير فى الطرق والقيام ثم زاد بعد ذكر الاضطجاع وهذا هو القول المتقدم أعنى قوله من الذى يسكن ولما قال بعد ذلك أيضا من الأعمال والفتور إنما أقام العمل مقام الأفعال الجزئية الأفراد أعنى العدو والمسير فى الطرق والقيام وأراد بقوله الفتور أى يسكن ويستريح وإذ كان الأمر على هذا شىء على الفعل والسكون وليس ينبغى أن يعبر بقوله فى أول هذا الكلام حين ذكر ما يجرى عليه طبع الأعضاء فيتوهم أنه قد جاء بجملة ثالثة من جمل أمر الأشكال إذ كان لم يأت بشىء من الدلائل عن مجرى الطبع خلا الأفعال وجميع هذا الباب الحال فيه على ما يستجيب لك من قوله المتقدم هذه الحال أقول إن فى جميع أوقات مداواة العلل التى تداوى بعلاج اليد قد ينبغى أن يحفظ الشكل واحدا ونصبته واحدة وهو الشكل والنصبة التى للعضو على مجرى طبيعته وهذا زعم يستخرج من الذى يسكن وينزل يشير بذلك إذا كان الإنسان ساكنا لا يتحرك ومن الذى هو عام يعنى بذلك من الشكل الذى هو وسط فيما بين الأشكال المجاوزة للاعتدال ويستخرج أيضا زعم من العادة والأمر فى العادة معلوم أن الأفعال والراحة داخلان فيها وهذان هما دليلان لنا من أعم الدلائل على الشكل الذى هو لكل واحد من الأعضاء على مجرى طبيعته أعنى أن يكون الشكل وسطا فيما بين الأشكال المجاوزة الاعتدال وأن يكون عن العادة وقد ذكرت أنا فى كتابى فى حركات العضل هذين البيانين بكلام أوسع ما يكون وأشرت أن هيئة الأعضاء وهى التى تستخرج معرفتها ويوقف عليها من التشريح هى تدل على أشكال الأعضاء التى هى على مجرى طبائعها كما علمنا ذلك ابقراط فى كتاب الكسر وقد يمكن إذا تكلم واحد دون واحد بهذا الكلام بأسماء وكلمات سوى التى يستعملها غيره فى العبارة عن هذا المعنى أن يتوهم على أنه قد قال غير ما قاله الآخر بمنزلة ما لو أن إنسانا قال الشكل الذى لا وجع معه ولا ألم فإنك إذا نظرت فى قول هذا لم تجد هاهنا شكلا حاله هذه الحال خلا الشكل الذى قد جرت العادة باستعماله عند الراحة وهذا الشكل هو أيضا بعينه وسط فيما بين الأشكال المجاوزة للاعتدال وإذا نظرت أيضا فى هيئات الأعضاء وما تدل عليه وجدت الذى يستخرج منها هو هذا الشكل
صفحة ٥٤