وقد حضرت مرة، مع قوم من الأطباء، مريضا قد اجتمعت عليه نزلة مع ضيق فى نفسه. فتركت أولئك الأطباء يسقونه الأدوية التى ظنوا أنه ينتفع بها. فسقوه أولا بعض الأدوية التى تنفع من السعال والنزلة. وهذه الأدوية تشرب عند طلب المريض للنوم، وذلك أنها تجلب طرفا من السبات حتى أنها تنفع من به أرق وسهر. فنام ليلته تلك بأسرها نوما ثقيلا. وسكن عنه السعال وانقطعت عنه النزلة. إلا أنه جعل يشكو ثقلا يجده فى آلة النفس. وأصابه ضيق شديد فى صدره ونفسه. فرأى الأطباء عند ذلك أنه لا بد من أن يسقوه شيئا مما يعين على نفث ما فى رئته. فلما تناول ذلك قذف رطوبات كثيرة غليظة لزحة. ثم أن السعال عاوده فى الليلة القابلة، وسهر وجعل يحس بشىء رقيق ينحدر من رأسه إلى حلقة وقصبة رئته. فاضطروا فى الليلة القابلة إلى أن يسقوه ذلك الدواء المنوم، فسكن عنه أيضا عند ذلك النزلة والسعال والسهر. إلا أن نفسه ازداد ضيقا، وساءت حاله فى الليلة القابلة سوءا لم يجد الأطباء معه بدا من أن يسقوه بعض الأدوية الملطفة المقطعة لما فى الرئة. فلما أن شرب ذلك نقيت رئته. إلا أنه عرض له من السعال، ومن كثرة النزلة، ومن الأرق بسببهما، ما لم يقو على احتماله. فلما أن علمت أن الأطباء قد تحيروا ولم يبق عندهم حيلة، سقيته بالعشى دواء لم يهج به سعال ولا نزلة. وجلب له نوما صالحا وسهل عليه قذف ما فى رئته أيضا. وسلكت بذلك المريض هذا الطريق، فأبرأته من العلتين معا فى أيام قلائل، على أنهما علتان متضادتان فيما يظهر. ويتبين من هذا لمن يدبره أن من قال من الأطباء «إنه لا يمكن أن يبرأ بدواء واحد مرضان متضادان» لم يصب. وأنا أول من استخرج استعمال هذه الأدوية، واستعمال الأدوية التى يعالج بها القرحة العارضة فى الرئة من قبل نزلة تنحدر إليها من الرأس، وغير ذلك من أدوية كثيرة، سأبين طريق استعمالها فى كتاب «تركيب الأدوية».
ولكن لا ينبغى لك، إن كنت أنا قدرت على هذا، أن تطالب غيرى من الأطباء ممن تقصد إلى أن تمتحنه بمثل هذه الأفعال. لكن قد ينبغى لك أن تقتصر على أن تجد عندهم الحذق بما عرفه من كان قبلى من أمر الأدوية. وذلك أنه قد يمكن أن يكون الطبيب ناقصا عن حال الكمال، لكنه ليس بالساقط كالكثير من المشهورين فى زماننا هذا. وليس من قبل أنى أبرأت كثيرا لا أحصى عددهم بالإسهال فقط من الداء الذى يقال له داء الثعلب، ومن البهق، والبرص، والقوابى المزمنة، والجرب، والتقشير، والقروح التى تنسب إلى السرطان، من غير أن أضع على موضع العلة دواء البتة، فقد ينبغى أن يطالب غيرى من الأطباء بمثل ذلك من الأفعال. فإنك تجدهم مقصرين، لا عن كثير من هذه الأفعال العظيمة، لكن عما هو دونها بكثير. وإنى لأعرف قوما مشهورين من الأطباء يسقون الدواء المسهل، فإذا لم يسهل بقوا حائرين لا يدرون ما يصنعون. فإذا دعينا لذلك، أمرنا بعضهم أن يستحموا فى الحمام، وفصدنا بعضهم، وأمرنا بعضهم بالقىء، وبعضهم بتناول شىء من الفاكهة القابضة. فحين يفعل ذلك بهم تستطلق بطونهم. وقد وصفنا فى كتبنا العلامات التى يستدل بها ويعلم ما الذى ينتفع به ويحتاج إليه كل واحد من هؤلاء. ولا أحصى كم من عليل به يرقان أبرأته بالإسهال فقط، وكذلك ممن به جذام، أو ممن به ألم قد تقادم وأزمن. وغير ذلك من الأمراض المزمنة قد أبرأت منها كثيرا بالإسهال فقط.
١٢
وإن لم تجد أشباه هذه الأشياء عند من تمتحنه فينبغى أن تعذره. فإن رأيت من يدعى الطب لا يقدر 〈أن〉 يبرئ من به يرقان بلا حمى بالإسهال مرة واحدة فلا ينبغى أن تعذره. وكذلك لا ينبغى أن تعذر من لا يقدر أن يبرئ من عضه كلب كلب أو أفعى أو غيرها من الدواب التى تنهش، بالأدوية دون قطع الموضع الذى قد نهش وكيه وما ذكر من هذه الأشياء.
صفحة ١٢٢