فما بالهم لا يتوهمون هذا بعينه علی العينين أيضا، والمنخرين، والفم، وسائر الأعضاء التي هي من السخافة علی مثل هذه الحال، أنه قد يمكن أن يسيل منها شيء بسبب كثرة الرطوبات المحتبسة فيها، لا بسبب اتساع مجاريها.
وقد رأينا أيضا من الجرار مرارا كثيرة ما بلغ من تخلخلها أن يرشح منها الماء. فإن كان فيها عسل، لم يرشح منها شيء، لأن جوهر العسل أغلظ من أن ينفذ في خلل جرم الجرة.
فما كان هذا مما يبعد عليهم توهمه أنه قد يرشح شيء مرارا كثيرة لرقته، وإن كان الجرم الذي يحويه لم يتغير عن طبيعته.
وليس يعسر أيضا علی من شاهد أعمال هذه الصناعة أن يعلم أن الطبيعة التي تدبر البدن قد تستعمل مرارا كثيرة شدة قوتها، فتدفع عن البدن جميع ما فيه من الفضول، كأنها تعصرها وتقذفها.
صفحة ٨٣