٦ فأما من قال بأن المعرفة بالسطقسات ليس بالأطباء حاجة إليها أو قال بأنهم محتاجون إليها إلا أنه ممن يؤثر رأيا ما غير رأى أصحاب المظلة فليس يتهيأ أن يكون يعتقد أن لكل واحد من الأشياء الموجودة سببا ماسكا وقد نسمع كثيرا من الناس يقول ان من القضايا الواجب قبولها من ذاتها لا برهان يقام عليها أنه ليس يمكن أن يكون جسم من الأجسام التى هى بحال من الأحوال موجودا من غير أن يكون له سبب ماسك إلا أنهم يقولون ان السبب الماسك ليس هو موجودا فى الأجسام كلها لكن فى الأجسام التى جوهرها جوهر يعسر انحلاله وتفرقه دون غيرها ومما يجرى من الأجسام هذا المجرى حجر الصنام والصخر والعظام والحديد وسائر ما أشبهها وقولهم هذا متناقض وذلك أنه إن كان كل واحد من الأشياء الموجودة يحتاج إلى سبب يمسكه لا يمكن وجوده دونه فقد يجب لا محالة أن يكون لذلك السبب أيضا إذا كان من الأشياء الموجودة سبب آخر يمسكه وأن يكون لهذا أيضا سبب آخر يمسكه وأن يمر ذلك بلا نهاية إذ كان ليس يمكن الوقوف عند واحد منها وإن قالوا ان بعض الأشياء الموجودة متماسكة بذاتها وبعضها يحتاج فى ذلك إلى غيرها فقد يجب أن يكون ما كان جوهره سريعا إلى التفرق والانتشار حرى بأن يكون محتاجا إلى ما يمسكه ينبغى أن يفهم هذا الرد على من قال بأن السبب الماسك إنما هو الروح والروح عندهم جسم الناس فأما ما كان جوهره مستحصفا متماسكا تماسكا قويا فهو غير محتاج إلى شىء من ذلك ولذلك صار الناس يضعون الخشب والحجارة والفضة والذهب والحديد والنحاس وسائر ما أشبهها من غير شىء يحصرها ويمسكها فأما الماء والشراب والخل والعسل فيودعوها الحباب والخوابئ لأنها ليست متماسكة بأنفسها فليس منقاسا إذا أن يكون الجسم الصلد يحتاج إلى ما يتماسك به وذلك أنه إنما صار صلدا صلبا لهذا المعنى بعينه أعنى لأنه متماسك بنفسه وهذا أيضا مما يقدح فى رأى أصحاب المظلة أعنى أن جسما أرضيا مثل حجر الصنام والصخر يتماسك بجوهر من جنس الروح فإنا نجد طبيعة الروح سريعة إلى التهبى ونجد طبيعة الأرض بطئة الانحلال وليس يمكن عندهم أن يخطر بالبال جوهر ما ولو كان فى غاية الصغر مثل الهباء الذى يقول به ابيقورس متماسك بنفسه فضلا عن أن يكون موجودا وذلك أنه إما ألا يكون للاسطقس الأرضى وجود أصلا إذ كان ليس يمكن أن يكون جزء من الأرض ولو كان فى غاية الصغر موجودا خلوا من الجوهر الروحانى وإما أن يكون قد يوجد من الأرض أجزاء وإن كانت فى غاية الصغر مفردة بذاتها من غير أن تمازج الروح فهذه اثوما متماسكة لا محالة بذاتها إلا أن هذا القول إنما قلناه كما قلنا ذلك القول الذى قبله على طريق الاستظهار
[chapter 7]
صفحة ٦٢