والواقع أن المغالطة التي تكمن خلف وجهة نظر الفيلسوف الجبري فيما يتعلق بإمكان التنبؤ هي - فيما يبدو - على النحو التالي: أنه يلاحظ «س» في لحظة «ل»، ثم يستدل منها أنه لا بد أن يكون قد كانت هناك «ص» في لحظة «ل1»، ثم يسير أبعد من ذلك ليقرر أننا إذا ما عرفنا «ص» في لحظة «ل1»، فإننا نستطيع أن نتنبأ ب «س» في «ل2»، دون أن نبحث فيما إذا كانت «ص» في لحظة «ل1» كانت موجودة كعامل حقيقي أو كعنصر خرافي، والفيلسوف الجبري يتلاعب «بالتسليم بخاصية أنها كانت «ص». افرض أن لدينا نسقين هما «س1»، «س2» كانا يتشابهان تشابها تاما حتى لحظة «ل»، ثم في لحظة «ل1» اختلف النسقان، إما تلقائيا أو استجابة لاختبار مماثل طبق عليهما معا بحيث عبر أحدهما عن خاصية «س1» بينما عبر الآخر عن خاصية «س2». إن في استطاعتنا في هذه الحالة أن نأخذ عن الخاصية «س1» في لحظة «ل» لنحدد أنها كانت «ص1»، والتعبير عن خاصية «س2»، في لحظة «ل» لنحدد أنها كانت «ص2». ونحن نكون بهذا الشكل قد أظهرنا أن النظامين ليسا بالضبط متشابهين أتم التشابه قبل لحظة «ل»، طالما أن «س1» كانت لها الخاصية «ص1» و«س2» كانت لها الخاصية «ص2» وأن اختلاف سلوكهما ليس مثلا على مبدأ اللاحتمية.»
3
تلك هي حجة الفيلسوف الجبري. غير أننا لا بد أن نميز الحالات التي تستنتج فيها «ص» من «س» بحيث يمكن اكتشافها بطرق أخرى قبل أن تظهر «س»، أقول إننا يجب أن نفرق بين هذه الحالات الأخيرة وبين تلك الحالات التي نعرف فيها «ص» فقط من خلال «س»، وبالتالي يمكن تحديدها بواسطتها. وفي الحالة الأخيرة لا يكون هناك تنبؤ: لكن هل هناك مثل هذه الحالة؟
ولكي نبين كيف يمكن تفسير ذلك عمليا، يقول بروفيسور إدنجتون: «دعنا نفترض أن نترات الفضة هو اسم مشترك لنوعين مختلفين من الملح (فرضا) هما: ف ن أ 3، وف ن- أ 3، وأن العلامة الوحيدة على اختلافهما هي سلوك مختلف بواسطة اختبار يحطم الملح بحيث لا يمكن أن يتكرر على الإطلاق. ولا بد لي من أن أقول إن النتيجة المستخلصة من الاختبار في هذه الحالة بأن الملح كان نترات فضة هي استدلال أصيل طالما أنه يحدد خاصية كان يمكن التحقق منها بطريقة أخرى في اللحظة التي نفترض فيها وجود هذه الخاصية، في حين أن النتيجة القائلة بأن الملح كان ف ن - أ 3 وليس ف ن أ 3 ليست استدلالها لكنها إعادة تقرير ما قد حدث تحت شكل أو على هيئة التحديد التراجعي للخاصية. والحقيقة هي - على ما نعرف - أن سلوك نترات الفضة فيما يتعلق بهذا الاختبار الجزئي المعين هو سلوك غير محدد، والرموز ف ن، وف ن ليست إلا مجرد إشارة إلى سلوكين محتملين لها.»
4
علينا إذن أن نفرق تفرقة واضحة تماما بين هذين الشرطين الممكنين: (1) حين نستدل تراجعيا من ظهور «س» في «ل2» أن الخاصية «ص» لا بد أنها كانت توجد في «ل1» فها هنا تسليم ضمني بأن الخاصية «ص» في اللحظة «ل» يمكن التحقق من وجودها تحققا مستقلا قبل حدوث «س» في «ل2». وبالتالي يمكن التنبؤ بدقة و«س» من «ص». (2) لكن حين نفترض وجود خاصية «ص» في «ل1» لا يمكن معرفتها إلا بعد أن تظهر «س1» في «ل2» وأكثر من ذلك لا يمكن تحديدها بأية طريقة من الطرق إلا بالإشارة إلى حدوث «س» في لحظة ما فيما بعد، فلا معنى إذن للقول بأن «ص» هي التي كانت تحدد «س»، ومن هنا كان من المشروع تماما أن نقول إن ظهور «س» لا يمكن التنبؤ به.
وسوف نقتبس النص الآتي من بروفيسور إدنجتون لكي نقدم أمثلة عينية لهاتين الحالتين: «دعنا الآن نقارن بين ظاهرتين؛ إحداهما نفترض فيها أنها غير محددة. والأخرى - لأغراض عملية، رغم أن ذلك ليس مطلقا - نفترض فيها أنها محددة، وسوف آخذ كمثل على الظاهرة غير المحددة تحطيم ذرة الراديوم. هذه الذرة في اللحظة الحاضرة ل صفر، لا نعرف ما إذا كانت سوف تتحطم في اللحظة «ل1» أو في لحظة أخرى «ل2» فذلك غير محدد ... قارن بين هذا المثل وبين ظاهرة محددة «على وجه التقريب» كالقول بأن الكوكب «بلوتو
» سوف يصل إلى مركز معين في السماء في اللحظة «ل1» وليس في اللحظة «ل2». إننا حين نلاحظ ذرة الراديوم تتحطم في اللحظة «ل1» فإن في استطاعتنا لو شئنا أن «نستدل» خاصية «ص1» استدلالا تراجعيا من لحظة «ل صفر». غير أننا إذا ما وجدنا أنه ليس ثمة طريقة أخرى لوصف «ص1»، إلا بربطها بتحطيم الذرة في لحظة «ل1» فإننا لا نفعل شيئا سوى تقرير الظاهرة التي لاحظناها في كلمات مختلفة. فمن ملاحظة الكوكب «بلوتو».
نستطيع بالمثل أن نستنتج الخاصية ص1 في لحظة ل صفر غير أن «ص1» في هذه الحالة هي استدلال أصيل ؛ لأنها لا تحدد بالإشارة لما استنتجناه منها. وعلى ذلك فالخاصية «ص1» يمكن أن تكون أن الكوكب «بلوتو» كان في وضع معين في المساء في لحظة ل صفر، أو أنه عندئذ مارس بعض الآثار المشوشة على الكوكب نبتون
Neptune ، وهذه الخصائص يمكن تحديدها بالإشارة إلى بعض الظواهر التي حدثت في وقت سابق على «ل1» ... لقد قابلت بين لا حتمية تحطيم ذرة الراديوم، وبين حتمية وضع الكوكب بلوتو
صفحة غير معروفة