حكم آشور وبابل، وأخذ في الغزوات، وكان ملوك الأسباط بعد سنحاريب قد استقلوا بملكهم فنزل عليهم وقاتلهم كثيرا، ودخل مدينة «السامرة» بالسيف وسبى أهلها، وبعد انتصاره على سوريا، نزل فلسطين وقاتل اليهود، وأسر منشا بن حزقيا ملك اليهود واستولى على كنعان وديار مصر، ثم اعتراه المرض وأحس بالعجز عن القيام بواجب الملك فتنازل عن سرير المملكة لولده البكري المدعو آسور بانيبال في سنة 668ق.م.
ذكر آسور بانيبال 668-647ق.م
كان هذا الملك هو آخر الملوك الآشوريين المجاهدين، وهو الذي يعرف عند اليونان باسم سردانابال الثاني، ومكث مدة ثلاث سنوات متواليات بالديار المصرية وهو يقاتل الملك «طهراقه» ملك الأتيوبيا، وينازعه في مملكة مصر، واستولى على مدينة طيبة «بالصعيد» مرتين، وأسلمها إلى السلب والنهب، ثم انتهى أمره لأن ترك الديار المصرية؛ حيث رأى أن ملك مصر يحتاج إلى كثير من المشقة والتعب، وكان له أخ يدعى «سامو لسموجان» كان عاملا من طرفه على بابل، فقام عليه وأراد أن يستقل بنفسه، ورفع لواء العصيان، واستعان في ذلك بملك بلاد العرب، وذلك في سنة 663ق.م، ووقعت بينهما حروب عظيمة دارت الدائرة فيها على جنود القوم الخوارج، فهزمهم ملك نينوى، وأخذ أخاه أسيرا ثم أطلق سبيله وعفا عنه، ولما توفي آسور بانيبال تملك على مملكة نينوى ولد له يدعى باسم «آسور ديليلي»، وفي أيامه خرج عليه ملك الميديين «فراوورت»، وأغار على بلاد آشور فقابله «ديليلي» هذا بجيوشه في مضايق الجبال الكائنة بتلك البلاد في سنة 635ق.م، وحصلت واقعة وقتل بها الملك «فراوورت» المذكور، وهلكت الجيوش الميدية، وهذه غاية نصرة عسكرية حصلت على يد ملوك الطبقة الثانية بمدينة نينوى، وكان موت الملك آسور ديليلي سببا في ظهور الفتن والاختلال في بلاد السلطنة الآشورية، فحضر ملك الميديين «سياكزار» بجنوده أمام مدينة نينوى، وحصرها وضيق عليها، وكان العامل الكلداني المدعو «نابو بولصر» قد أثار الفتنة في مدينة بابل، وأعلن لنفسه بالسلطنة فيها، وكادت مدينة نينوى أن تسقط لولا ما حصل في ذلك العصر من إغارة القوم السيتيين «قبائل يأجوج ومأجوج» على بلاد الميديين سنة 625، فرجع الملك سياكزار من الحصار، وأراد أن يوقف إغارة هؤلاء الأقوام، ومكثت الإغارة المذكورة مدة 19 سنة، وكان الملك «ساروق آسور آفوس» قد قبض على قضيب الملك بمدينة نينوى في تلك المدة، وبعد خروج السيتيين من البلاد الميدية عاد سياكزار إلى ما كان عليه، وحاصر مدينة نينوى، وأخذها بعد قتل الملك «ساروق» وحرق القصور والهياكل العديدة، وصارت مدينة نينوى عبارة عن تلال وأطلال متهدمة، وذلك سنة 606ق.م وهذا هو خراب مدينة نينوى الأكبر؛ لأنها لم تعد للعمارة مرة أخرى بعد ذلك. (1-5) الدولة الكلدانية أو البابلية الثانية
ذكر نابوكودو نوزور 607-551ق.م
وهو المعروف عند مؤرخي العرب باسم بختنصر الجبار، تولى بعد موت أبيه نابو بولصر سنة 607ق.م، وهو أشهر ملوك بابل وأعظمهم، ففي مبدأ حكمه نزل بلاد الموصل ودخلها بالسيف ثم حارب الإسرائيليين، ونزع منهم أيالات سوريا، وكانت وقتئذ فلسطين أيالة خراجية يحمل ملكها يهوياقيم الجزية سنويا إلى نيخاؤس ملك مصر، فلما فتح بختنصر سوريا حمل إليه يهوياقيم الجزية بدون قتال، فتحول عنه وسار لقتال الفنيقيين، وحاصر مدينة صور، وفي هذا الوقت عصى «يهوياقيم» فعاد إليه بختنصر وأسره وحمله إلى بابل ومعه طائفة من الأحبار «علماء العبرانيين»، وكان منهم دنيال عليه السلام، وعاد بختنصر إلى محاصرة سوريا، وكان قد تولى على اليهود «يخنيو» بن يهوياقيم فعصى على بختنصر، فأرسل إليه وحمله إلى بابل فمات بالطريق، وولى مكانه عمه المدعو صدقيا، فجمع اليهود وعصى على بختنصر بمساعدة ملك مصر المدعو «أبرياس»، فأتى ملك بابل، وقتل خلقا كثيرا من اليهود وأسر صدقيا، وكحله بالنار وقتله ونهب أمتعة بيت المقدس وحرقها، ولحق القدس الخراب الأكبر، وهو الخراب الثاني، وذلك سنة 588ق.م وتشتت اليهود في البلاد، وأتت منهم طائفة إلى مصر، فاجتمعت بفرعون مصر «نيخاؤس»، فطلبهم بختنصر منه، فأبى وتجهز لمحاربته، والتقيا المصريون والبابليون في مدينة «قرقيش» جهة الفرات، وكسر «نيخاؤس» ودخل مصر مهزوما، وعاد بختنصر إلى صور ودخلها بالسيف، ونهبها وسبى أهلها، بعد أن حاصرها مدة 13 سنة، وبعد رجوعه إلى بابل تجبر وتنمرد، ودعا الناس إلى السجود لتمثاله، وفي آخر حكمه سلب عقله، فترك المملكة وخرج إلى الغابات وأقام بها، وصار يقتات بالحشائش، وفي هذه المدة كانت امرأته «نيتوكريس» تدبر الأمور، ثم إنه شفي من مرضه وعاد إلى المملكة، وحكم سنة واحدة ومات.
ذكر الملك بلطازار
وهو آخر ملوك الدولة البابلية الثانية، تولى ملك بابل وآشور، وعلق على اللذات، فترك الأمور للحكام، وفي ذات يوم جمع أحبابه وندماءه في وليمة أعدها لهم، وكان يوم عيد عند البابليين، فبينما هم في حالة الأنس وشرب المدام؛ إذ فاجأهم «قيروش» بجنوده الفارسيين، ودخل المدينة من مجرى النهر على حين غفلة من أهلها، فاتفق أن أحد قواد عسكر العجم المدعو باسم «دارا الميدي» المكلف بهذه الإغارة الليلية قتل بلطازار بيده فكافأه مولاه بأن قلده الولاية السترابية على بابل، وبذلك زالت مملكة آشور وبابل بالكلية سنة 835ق.م. (2) في تاريخ الميديين والعجم
بلاد ميد عبارة عن أرض أزربيجان، وهي تحد من جهة الشمال ببحر الخزر وبلاد أرمينيا والغرب ببلاد آشور الأصلية، ومن جهة الجنوب ببلاد فارس، ومن جهة الشرق بالبلاد المسماة ببلاد الفرثية، وهي القطر الكائن بشرقي العراق العجمي وغربي خراسان الآن، وجبال الخزر تستر سائر سطح الجهة الشمالية منها، وفي تلك الجهة أيضا ما يوجد من الأنهار، وذلك غديران يسمى أحدهما باسم فورش أوقور، والثاني يسمى آراس. وقد كانت مدنها الأصلية في سالف الأزمان كل من مدينة إيكباتان - وهي المعروفة الآن بهمدان - ثم مدينة «راجيس» أي مدينة الري الآن.
أما حدود بلاد فارس أو فارستان، فقد كانت في سالف الأزمان عبارة عن الأرض المحصورة ما بين بلاد ميد المذكورة أعلاه والخليج الفارسي من جهتي الشمال والجنوب، وبلاد الكرمان وبلاد بابل من جهتي الشرق والغرب، وفيها من جهتي الشمال والغرب جبال لا يمكن منها الدخول إليها إلا بغاية الصعوبة، وكانت مدنها الأصلية في سالف الأزمان كلا من مدينة برسبوليس - ولعلها الآن إتشهيل منار أو إستخر - ثم مدينة «بازار جاد» وهي مدينة «بازا أو فازا». (2-1) ديانة الفرس والميديين
وكانت ديانة الفرس تمتاز بصفة روحانية عن ديانة الآشوريين، فإن الفرس كانوا يعترفون بوجود ذات علية لا يحويها مكان، وكانوا يعبدون النار ويعدونها كأشرف العناصر.
صفحة غير معروفة