فقال حسن: «حقا إن هذا لمما يضيق عليكم؛ إذ يقل عدد الوافدين من الزوار وغيرهم.»
فقال الراهب: «ليس ذلك فقط ما نشكوه، ولكن من عاداتنا ومثلنا في ذلك جميع الأديرة، أن نبعث كل سنة وفدا من الرهبان يطوفون البلاد المجاورة والبعيدة لجمع النذور التي ينذرها أصحابها باسم صاحب هذا الدير - قدس الله سره - لكننا في هذه الأيام لا نستطيع إرسال أحد، وقد مضت علينا بضع سنين لم نرسل أحدا إلى أن كانت هذه السنة فبعثنا بعض رجالنا يطوفون البلاد لجمع النذور، وقد مضى عليهم بضعة أشهر دون أن يرجعوا، فترانا من أجل ذلك في قلق عظيم عليهم لئلا يكونوا قد أصيبوا بسوء من اللصوص في الطريق بعد نهب ما جمعوه من هذه النذور.»
فقال حسن: «لقد أخطأتم إذن يا سيدي بإرسالهم.»
قال الراهب: «إننا لم نرسلهم إلا بعد أن رأينا إرسالهم ضروريا؛ لأننا نرسلهم أيضا للأديرة الأخرى في الأقطار البعيدة لجمع المساعدات، وللطائفة الأرثوذكسية أديرة عديدة في أماكن مختلفة فيساعد غنيها فقيرها.»
فقال حسن: «ولكن ألا تخافون وأنتم في هذه البرية من أن يسطو عليكم اللصوص أو قاطعوا الطرق؟»
فقال: «قلما خفنا ذلك؛ لأن الله يحرس أماكن العبادة.»
فقال حسن: «وهل للمسلمين مكان مثل هذا في هذه الأنحاء؟»
قال: «إن لهم مقاما قديم العهد جدا على مقربة منا، يقال له مقام الشيخ الأوزاعي، وقد مرت عليه أجيال عديدة، والزائرون من المسلمين يقصدونه كما يقصدون هذا الدير.»
فتاقت نفس حسن لزيارة ذلك المقام؛ لأنه كان يقرأ كثيرا عن كرامات الشيخ الأوزاعي، فقال: «هل هو بعيد من هنا؟»
قال: «لا ... فهو لا يبعد إلا مسافة تدخين غليون.»
صفحة غير معروفة