واستقص في النظر، فإنك تعلم ضرورة أن ليس إلا أنه قدم وأخر وعرف ونكر، وحذف واضمر، وأعاد وكرر، وأتى مأتى يوجب الفضيلة، أفلا ترى أن أول شيء "يروقك منها: قوله: (هو المرء أبدت له الحادثات) ثم قوله: (تنقل في خلق سودد) بتنكير السودد، وإضافة الخلقين إليه، ثم قوله: (فالكسيف) وعطفه بالفاء، مع حذفه المبتدأ، لأنه المعنى -لا محالة -: فهو كالسيف لم تكرير الكاف في قوله (وكالبحر) ثم أن قرن إلى كل واحد من التشبيهين شرطًا جوابه فيه - ثم أن أخرج من كل واحد من الشرطين حالًا على مثال ما أخرج من الآخر وذلك قوله: (صارخًا) هنالك و(مستثيبًا) ههنا؟ " (١)
وكأن عبد القاهر قد عنى أستاذه القاضي الجرجاني بقوله: "وإذا عرفت ذلك فاعمد إلي ما تواصفوه بالحسن وتشاهدوا له بالفضل ثم جعلوه كذلك من أجل النظم خصوصًا دون غيره".
على أن عبد القاهر قد أخذ من أستاذه القاضي الجرجاني فصلًا من وساطته، هو الذي سمى "مواقع الكلام" (٢) فحوره عبد القاهر ووضحه وجعل عنوانه "فصل في أن هذه المزايا في النظم بحسب المعاني
_________
(١) دلائل الإعجاز صـ ٥٨، صـ ٥٩.
(٢) الوساطة صـ ٤١٢.
1 / 33