============================================================
يقظتهم وطهروا أعماقهم، فأكرمهم الله عز وجل بأن تتنفس أرواحهم في منامهم من حبس الدنيا والبدن، وتحلق في آفاق السماء والأرض وتشاهد عوالم ملك وملكوت، ثم ترجع مطمئنة لتدخل أبدانهم الطاهرة.. وكلما تصفت الأعماق رقت الرؤى وراقت، وهذا الكتاب الذي ننشره اليوم ، والذي يجد مصدره في منام لابن عربي هو الشاهد على المستوى الرفيع الذي تصل اليه الرؤية المنامية للمسلم المؤمن الطاهر البدن المطهر الأعماق، المطلوب للمعرفة والعرفان وهكذا خرج ابن عربي عن قيد الحال الواحد، لينطلق في عوالم العلوم اللدنية الإلهامية، وهو في انطلاقته هذه لم يفارق ميزان العقل الشرعي ، متبعا في ذلك سنة الصوفين في علومهم، والتي تلخصها مقولة : " كلما تكت في قلبي من نكت القوم لا أقبل منه إلا بشاهدين عذلين : الكتاب والسنة .
وها هو ابن عري، بحكم نشأته الفقهية الحديثية، يشهد على علمه الإلهامي شاهدين عذلين هما : القرآن والحديث، فلا نكاد نجد معنى في كتابه الذي ننشره هنا، إلا وهو يتضمن إشارة قرآنية أو نبوية كاتب ملهم: لقد تعودنا أن يهم الشاعر برصف الحروف وسحر البيان، ويهم العالم والعارف برصف المعاني والتكهن ببنية الأكوان، ولكن الصوفيين وحدهم عودونا الجمع بين علر المعنى وعمقه، ويين رقة الكلمة وحلاوتها، فاشتهر لذلك النثر الصوفي عبر التاريخ بقيمة فكرية وأدبية تكرست لدراستها عشرات الأبحاث.
فالإنسان الصوفي بتفتح بصيرته ورقي وجدانه، لا يرضيه ولا يعير عنه إلا نص مثقل بثمار المعرفة، مشتهى في السمع والبصر.. وها هو ابن عربي سليل قوم وخدوا بين المبنى والمعنى، وجاهدوا لبلوغ الغاية في الموضوع والكلمة.
وها هم أتباع الافلاطونية المحدثة من فلاسفة المسلمين ، كالفاراي مثلا الذي يرى أن غاية المعرفة هي الاتصال بالعقل الفعال، ويفح فلسفيا مجالا للمنام كأحد طرق المعرفة وابن سينا على الرغم من أنه من كبار أتباع الفلسفة الارسطية إلا انه ينزع إلى تلطيفها بالافلا طونية المحدتة، وتفوم المعرقة عنده على اتصال التفس بالعالم العقلي را. "نظرية المعرفة الاشراقية واثرها في النظرة إلى النيوة" إبراهيم ابراهيم هلال دار النهضة العربية القاهرة 1977
صفحة ١٧