وتهوي الافئدة
(ربنا واجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ). ( إبراهيم / 37 )
كان ذلك دعاء إبراهيم (عليه السلام) ، حين استودع الله زوجته وابنه، دعاه أن يبدد الوحشة من حول إسماعيل ، وأن يجعل موطنه مهوى للافئدة ، وكعبة للقلوب تهفو إليها الناس وتزدحم عليها النفوس .
لقد أجاب الله دعوة الخليل ، ففجر الارض وسال ينبوع زمزم في قلب اليأس والجفاف تتباشر به الاحياء ، وتحلق من حوله الطيور ، تسبح في أجوائه جذلانة تردد انشودة الرواء .. ما كانت قبل ذلك كبد حرى لترد الوادي إلا عابرة سبيل ، أو أن تقيم بجوار الصفا والمروة إلا استراحة مضطر.. فلا قريب يجاور الوادي .. ولا جار يطمع بشيء فيه .
كان أقرب القاطنين إلى أرض الصفا والمروة قبائل جرهم العربية، وكانوا يقطنون بذي المجاز وعرفات ، فلفت أنظارهم وفود الطير وتقاطر حيوانات البر باتجاه الوادي .. وحدث تساؤل واستغراب : ما الذي حدث في هذه الارض.. ؟ وما الذي يستهوي الطير والوحش.. ؟ لا بد وأن يكون هناك سبب للحياة ومصدر للعيش تتجه إليه هذه الاحياء .
تبع رواد من جرهم أثر الوحوش، واستهدوا بمسارب الطير، فانتهى بهم المسير إلى المفاجأة والبشرى ، امرأة غريبة في ملامحها ولغتها وإلى جانبها صبي يجاور النبع ويستظلان الشجر حول زمزم .
أثار المنظر استغراب الجرهميين ، فسألوا هاجر واستفسروا عن حالها ، فأجابت أنها زوجة خليل الرحمن ، وهذا ولده المبارك .. ولده إسماعيل ، وضعهما الخليل ورحل ، فأفاض الله عليهما البركات ، ودرت الارض بعذب الماء للرضيع الصغير .
إذن : أتأذنين أيتها المباركة أن نحط إلى جوارك ؟ .. تأملت هاجر في طلب جرهم ، فلم تأذن لهم ثم قالت : حتى يأتي إبراهيم (16).
لم يكن الخليل ليقطع الصلة بإسماعيل وهاجر ، فهو يغدو عليهم بين فترة واخرى ويروح، زارهما إبراهيم فرأى إجابة الدعوة وعناية الرحمن تحوط الوديعة في رحاب البيت الحرام .
صفحة ٢٣