AUTO إسماعيل وإسحاق

AUTO مدرسة النبوة

| AUTO مدرسة النبوة

(لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ). ( يوسف / 111 )

( نحن نقض عليك احسن القصص ). ( يوسف / 3)

( ... فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ). الأعراف / 176)

( ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين.). (الأنعام / 34)

( ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما ). (النساء/ 164)

( وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين) . (هود / 120)

( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده، قل لا اسالكم عليه اجرا ان هو ألا ذكرى للعالمين). (الأنعام/90)

القرآن بإعجازه البلاغي واسلوبه الفني البالغ الروعة والجمال والمحبك الأداء والتعبير ، يكون مدرسة أدبية خاصة ، ووحدة فنية مترابطة ، فما من فن من فنون التعبير والأداء اللغوي المتقن إلا واستخدمه القرآن لمخاطبة الإنسان ومناجاة المشاعر ومحاكمة العقل والوجدان ، فالحوار والمثل والقصة بعض ما استعمل القرآن من فنون وأساليب لإيصال الفكرة والإيحاء بالمفهوم ، وغرس الفحوى والمضمون في نفس القارئ والسامع .

والذي يهمنا في هذا البحث الموجز أن نتحدث عنه هو أن نعرف بشكل مختصر بقيمة القصة القرآنية ، وبالتحديد قصص الأنبياء لنساهم من خلال الدراسة بتشكيل محيط فكري يستلهم على ضوئه القارئ مضمون القصة ويتأثر بشكلها الجمالي الأخاذ .

إن الدراسة التحليلية لقصص الأنبياء في القرآن توصلنا إلى اكتشاف الأهداف والغايات الأساسية للقصة النبوية ، وللقيمة التربوية والعلمية للقصة في القرآن .

صفحة ١

لقد تحدث القرآن عن آدم ونوح وإدريس وصالح وهود وإبراهيم ولوط وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى وسليمان وداود وشعيب وأيوب ويونس ويحيى وزكريا وذي الكفل واليسع وإلياس وعيسى ومحمد (عليهم السلام) ، وكثيرا ما عرض لبعضهم قصة ورواية ، تشكل بحد ذاتها تجربة ومقطوعة تاريخية مليئة بالدروس والعبر ، ثم هي بعد ذلك بمجموعها وحدة تاريخية وتربوية متكاملة تستهدف بناء الإنسان وتربيته ومعالجة الثغرات ونقاط الضعف في نفسه ، فحياة كل نبي تعالج مشكلة في حياة الإنسان ، وتجربة كل واحد منهم تحل عقدة من عقد التاريخ ، فنرى قصص الأنبياء غنية بالدروس والعبر ، مليئة بالأحداث والمفاجآت ، زاخرة بالألم والانتصار والمعاناة .

إن محاولة تتبع القصص والأحداث النبوية في رحاب القرآن ونظمها ضمن وحدة قصصية وحدثية متكاملة؛ ثم دراستها دراسة تحليلية لاكتشاف العمق التاريخي والبعد الجهادي لأنبياء الله لتمدنا بفيض من الفكر والمعرفة والهداية وقيم الحياة التي صنعها أنبياء الله، رواد الحضارة ، وبناة الفصل المضيء في تاريخ الإنسان ، وصناع الخير في رحاب هذه الأرض .

ان القرآن يصور ملاحم الأنبياء التاريخية كحقيقة خارجة عن عنصر الزمن بقيمتها العملية ودورها الحضاري رغم ارتباط أحداثها ببعدي الزمان والمكان وتحيزها ضمن مرحلة متجسدة من مراحل تاريخ الإنسان .

إننا بحاجة إلى قراءة ثانية لتاريخ الإنسان لدراسته وتشخيص موقع الأنبياء ورسالات الله فيه كحقائق ووثائق علمية تساهم في رسم صورة التاريخ وتشخيص معالمه .

صفحة ٢

لقد درج المنهج العلماني لدراسة التاريخ على استبعاد دور الأنبياء والرسل (عليهم السلام) ، بل عد الاعتماد على أخبار الرسل أساطير لا تملك قيمة الوثيقة العلمية في الدراسة والتوثيق، لذا نراه يستعرض الحضارات الجاهلية كحضارة بابل واور وسومر ومصر والشام والجزيرة العربية ... إلخ ، ويركز عليها ويحاول إبرازها وإعطاءها موقع الريادة التاريخية متجاهلا دور الرسالات والأنبياء والرسل وصراع الخير الذي قاده الأنبياء ضد الشر والجريمة لطمس معالم الأيمان ومحو دوره الحضاري والتاريخي من وعي الإنسان .

إن دراسة مثل هذه الحضارات البائدة دراسة موضوعية، ودراسة القرآن تظهر لنا بوضوح دور الأنبياء والمرسلين في الصراع من أجل الخير والهدى ونصرة المظلومين والمستضعفين .

إن العمق التاريخي للرسالات الإلهية ودور كل نبي ورسالة على امتداد مراحل التاريخ والحضارات والصراع يجب أن يبرز واضحا جليا ، وأن يشكل العمق والامتداد الحضاري والحركي لصراع الإنسان من أجل الخير والهدى ونصرة الإنسان المستضعف ، فنرى القرآن حينما نقرأ عرضه لقصص الأنبياء وللصراع ، يعرضه واضحا جليا ... يعرضه صراعا بين تيارين : تيار الأنبياء والرسل وأتباعهم من المستضعفين والمظلومين ، وتيار الطغاة والمستكبرين والمتسلطين ، أمثال فرعون ونمرود وأبي جهل . ولقد صاغ القرآن هذه الحقيقة وأوضحها بقوله :

(وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا * وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا ).( الفرقان / 30 31 )

صفحة ٣

(وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ، ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ). ( الانعام / 112 ) إن من يكتبون في تاريخ الحضارات ، والتاريخ القديم ، وكذا أساتذة التاريخ والعلوم الإسلامية ، عليهم مسؤولية الكشف عن الحقيقة وإبراز دور الأنبياء والرسل والرسالات ، فنحن مثلا بدراستنا لتاريخ مصر وبابل والشام والجزيرة نشاهد دور نوح وإبراهيم ويونس وموسى وعيسى وهود وصالح ولوط ويحيى وشعيب ، واضحا وبارزا يتحدث عنه القرآن كما تحدثت التوراة والأنجيل غير المحرفتين ويعرض هذه الأحداث وهي تدور على محور النبوة ، يعرض صور الكفاح والظلم والاستكبار والاستضعاف والانحطاط الأخلاقي ويشخص أمراض الجاهلية الفكرية والنفسية والسلوكية .

فمثلا عرض لنا قصة إبراهيم وإسماعيل قطاعا متماسكا من الأحداث والصراع والمعاناة والمفاجآت والعطاء الحضاري البناء ، فبدأ بعرض الأحداث بصيغة تمور بالحركة والحيوية ، وتتحرك فيها الأحداث والشخصيات والمواقف حركة تنبئ وتكشف عن ثراء

الحدث والمضمون، وقدرة العنصر المتحرك فيها «إبراهيم وإسماعيل» على صنع وإدارة الأحداث وفق منطق حضاري ورسالي متكامل البنية والأهداف .

ونحن بالعودة إلى دراسة الآيات التي حللت الأهداف الأساسية لقصص الأنبياء نجدها تركز الهدف من خلال عرض تاريخ الأنبياء (عليهم السلام) وقصصهم (1) بما يأتي :

(عبرة لاولي الألباب ).

(نثبت به فؤادك ).

(وجاءك في هذه الحق ).

(وذكرى للمؤمنين ).

(لعلهم يتفكرون ).

(فصبروا على ما كذبوا واوذوا ).

(فبهداهم اقتده ).

وهكذا يستخلص القرآن الغاية من دراسة تاريخ الأنبياء وعرض وتتبع آثارهم ، (فليست القصص إلا تتبع الآثار وتقصيها ثم عرضها والأخبار عنها والتحدث بها ، لابلاغها إلى القارئ والسامع بغية نقل مضمونها والتأثير بأحداثها وشخوصها ) .

صفحة ٤

وهكذا فعل القرآن حين حدد الأهداف بالعبرة والموعظة الحسنة والذكرى، للتفكر واستخلاص الدروس والعبر والاقتداء بمسير الأنبياء وخط سيرهم ، وإنقاذ الإنسان المخاطب نفسه من محنة الأمم الجاهلية وارتكاسها وسقوطها في هاوية الانحراف والتيه والدمار ، وتثبت موقفه في صراعه مع قوى الباطل والاستكبار والجاهلية في كل عصر ومصر وتعليمه وتربيته عن طريق عرض أحداث التاريخ الحية ، إلى جانب الفكر والعرض التوجيهي المجرد ... لاكتشاف قوانين التاريخ ومنطقه العام ، وتحديد سنن الحياة الاجتماعية :

(لعلهم يتفكرون ).

(وجاءك في هذه الحق ).

ويستخدم القرآن الفن القصصي في عرض الأحداث والشخصيات والوقائع التاريخية ليكسوها حلة جمالية ويفيض عليها روعة فنية تيسر تفاعل النفس معها والتأثر بها .

والذي يدرس القصة القرآنية ويتابع اسلوب العرض والأداء والحوار والإيحاء فيها يشاهد :

1 عرض المشاعر الإنسانية .. مشاعر الحزن والمأساة ، مشاعر الأمل والرجاء ، مشاعر اليأس والخوف ، مشاعر الحب والكراهية ، مشاعر الانتصار على المشكلة ... إلخ ، فهو يعرض جوانب الضعف ، والعناصر السلبية في الشخصية الإنسانية ، كما يعرض جوانب القوة وعناصر الايجاب فيها، ثم ينبري لعلاج الموقف وردم الثغرات، والخروج ببراعة فنية فائقة

وقدرة على العرض والمعالجة بشكل يذهل السامع والقارئ ويزرع في نفسه ما يريد من المتلقي استقباله والانفعال به .

2 إثارة الحس الجمالي والتذوق الفني من خلال صب الأحداث وصياغة المواقف وعرض الفكرة ، وهندسة الشكل وتنظيم المضمون .

صفحة ٥