ومع ذلك فقد استمر عزل البدو واعتبارهم الجماعة الهامشية بالذات داخل المجتمع الإسلامي.
الفصل التاسع
الدور السياسي للإسلام
(1983م) «لن ينصف الإسلام من يزعم أنه يطالب المؤمنين بمثل هذا الخضوع الأعمى.»
شتيبات
إن الحركة الإسلامية الكبيرة في هذه الأيام، وأقصد بها الموجة التي يطلق عليها اسم «البعث أو الإحياء الإسلامي» أو «الصحوة الإسلامية»، تتكون في حقيقة الأمر من مجموعة متنوعة من الحركات الفردية التي تحددها الظروف المختلفة في البلاد الإسلامية. وليس من شك في أن العنصر الإسلامي الكامن في هذه الحركات، بل المصطلح الذي تعبر به عن أفكارها وأهدافها، يمثل بعض السمات المشتركة بينها، ومن أبرز هذه السمات ذلك الشعور المتجدد بالتضامن أو التكافل الإسلامي الذي يجمع بينها. ومع ذلك فلو نظرنا نظرة أعمق، لوجدنا أنها تشترك أيضا في عنصر أهم وأخطر، يتجاوز دائرة الشعوب الإسلامية ليشمل الشعوب النامية، وذلك هو الموقف التاريخي العام لكل الشعوب التي ما زالت متخلفة بالقياس إلى الأمم الصناعية الحديثة، وما زالت تجد نفسها معتمدة عليها وتابعة لها، وإن كانت تسعى اليوم بكل السبل للتحرر من هذه التبعية.
ولست في حاجة للحديث عن الأسباب التي عملت على ظهور هذا الموقف: كيف وضعت الدول الأوروبية، وتبعتها بعد ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، بقية دول الأرض تحت سيطرتها الاقتصادية والحضارية، وكيف أحكمت هذه السيطرة بعد ذلك بفرض هيمنتها السياسية على معظم هذه الشعوب. ويجب أن نكون على وعي تام بأن هذه السيطرة السياسية الأجنبية على معظم أجزاء الأرض لم تنته إلا منذ وقت قصير نسبيا، وأن التخلف الاقتصادي والحضاري، الذي يعني التبعية، لم يزل قائما كما كان، بل لم يزل من الصعب أن نتبين معالم الطرق التي يمكن أن تؤدي إلى تجاوز ذلك التخلف وتلك التبعية.
والواقع أن الشعوب المقصودة على وعي كامل بهذا الموقف، ويرجع هذا إلى أن معظمها لم يتخلص من السيطرة السياسية الأجنبية إلا منذ عهد قريب، ومن الطبيعي أن تتفاوت الأشكال التي يظهر بها هذا الوعي وأن تختلف من شعب إلى شعب.
لننظر، على سبيل المثال، إلى الشعوب العربية، فقد تصورت، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، أنها قد وجدت الطريق إلى الاستقلال الحقيقي في القومية العربية الشاملة تحت زعامة جمال عبد الناصر. ولكن خيبة الأمل سرعان ما نشرت ظلالها الكئيبة بعد حقبة غمرتها فيها نشوة وطنية عارمة. إن دولة إسرائيل، وهي جسم غريب زرع في المنطقة العربية (وقد كان ولا يزال هو أقوى حافز لتحقيق القومية العربية) لا تزال قائمة، ولا يبدو في الأفق أي فرصة واقعية للخلاص منها وتجنب خطرها. بل إن الجبهة العربية الموحدة ضد إسرائيل قد تمزقت بعد خروج مصر منها.
1
صفحة غير معروفة