بينما طالب الجانب المقابل بتعهد أو ضمان بالمشاركة في الجهاد.
24
ليس من الممكن الدخول هنا في تفصيلات هذا التطور، ولكن يمكن أن نستنتج من الحديث الذي رواه بريدة وسبق أن تناولناه بالبحث، أن هناك جماعة مهمة سرعان ما استبعدت استبعادا نهائيا من فئة المستحقين ل «العطاءات»، وهي جماعة البدو الذين لم يشاركوا في الجهاد. وقد وجد الفقهاء بعد ذلك تفسيرا متسقا لهذا القرار؛ فيقول الماوردي الشافعي إن المسلمين بعد فتح مكة انقسموا إلى فئتين هما المهاجرون والبدو، وهاتان الفئتان هما «أهل الفيء» - أي أصحاب الحق في المشاركة فيه - و«أهل الصدقة»؛ أي المستحقون لضريبة الصدقة وحدها. وهو يعرف أعضاء الفئة الأولى بأنهم هم «ذوو الهجرة الذابون عن البيضة والمانعون عن الحريم والمجاهدون للعدو»، بينما يوصف العضو في الجماعة الأخرى، أي أعراب البدو، بأنه «من لا هجرة له وليس من المقاتلة عن المسلمين ولا من حماة البيضة».
25
ولا شك في أن لهذه التفرقة منطقها؛ لأن ضريبة الصدقة تحصل من جميع المسلمين وتخصص قبل كل شيء لإنفاقها على الجماعة المحلية،
26
بحيث لا يمكن أن يحرم منها البدوي المسلم.
27
أما «الفيء» فهو غنيمة حرب مخصصة للمقاتلين في سبيل الله أو للأمة في مجموعها، وطبيعي أن تحرص الأمة من جانبها على إنفاقها على المقاتلين.
والحق أن تعبير الماوردي متسق غاية الاتساق، وأن غيره من الفقهاء لم يذهب إلى الحد الذي ذهب إليه . فأبو حنيفة لم يقصر إنفاق «الفيء» و«الصدقة» على الفئتين السابقتين من المسلمين.
صفحة غير معروفة