لما توعر في الكراع هجينه هلهلت أثأر جابرا أو صنبلا / ثم كان امرؤ القيس ، وهو أول من ابتدع في الشعر أشياء كان السابق إليها6أ من استيقاف صحبه في الديار ، وذكر الطلول ، وشبه النساء بالظباء ، والخيل بالعقبان والعصا ، وقيد الأوابد ؛ فاتبعه الشعراء على ذلك ، واستحسنوه منه ، ولما أراد الله من صيانة هذه اللغة ، وادخارها إلى الوقت الذي أنزل بها كتابه وبعث بها رسوله عليه السلام ، ألهمهم فتكلموا بالشعر الرصين المحكم ، من غير أن يعرفوا عروضا أو نحوا ، حتى أبرزوه في ذكر الإحسان والمآثر ، ومدح الملوك والنبلاء ، وفي ذكر المثالب والسباب ، وهجاء أهل الضغائن ، وفي الوقائع والحروب ، ونشر كل شاعر محاسن أيام قبيلته ، ومفاخرها ، ومساوئ أهل الشنآن والبغضاء ، واستفتحوا كلامهم بذكر النسيب ، وبسطوه بصفات الديار والقفار ، والنجع والأمطار ، ونعت الخيل والإبل والوحش ، وغير ذلك مما يطول ذكره ؛ فتقيدت به الألفاظ العربية ، والمعاني اللطيفة ، وحفظه الرواة ، ودونوه ، فرواه السلف للخلف ، واصطلح أهل المعرفة على صحة أصول اللغة فيه ، فرغب في تعلمه أهل الهمم ، وصار ديوانا لهم في الجاهلية ، عليه يعتمدون ، وبحكمه يرتضون / وصار الشعراء فيهم بمنزلة الحكام ، يقولون ؛ فيرضى قولهم ، 6 ب ويحكمون فيمضي حكمهم ، وكان علقمة بن علاثة (¬1) ، وعامر بن الطفيل (¬2) تحاكما إلى هرم بن قطبة الفزاري ؛ فاحتجر عن الحكومة بينهما ، وقد ساق كل واحد منهما معه إبلا لينحرها عند الحكومة ، ومع عامر أعشى قيس ، ومع علقمة الحطيئة ، قد حضرا ليقول كل واحد منهم في صاحبه عند النفور ، ويذكر فضله ؛ ليخلد على الدهر ، فلما امتنع هرم من الحكومة ، انتدب الأعشى ، فكان أدهى من الحطيئة ، فأنشد قصيدة نفر فيها عامرا على علقمة ، قال فيها : ( السريع )
علقم لا لست إلى عامر الناقض الأوتار والواتر
قد حكمتموه فقضى بينكم أبلج مثل القمر الباهر
لا يأخذ الرشوة في حكمه ولا يبالي غبن الخاسر
صفحة ٣١