اللطيف الخبير : ومن صفاته اللطيف ؛ لأنه لطف في صنعته لرأفته ، فلم يدع شيئا من لطيف صنع إلا خلقه بحكمته ؛ رفقا بعباده، وعلما بما يصلحهم ، واللطف في معنى الرفق والعلم بالشيء ، يقال : فلان لطيف الكف ، أي رفيق بعمله ، عالم به ، حسن التأتي له ، ويقال : ألطف لفلان في هذا الأمر : إذا أمره أن يتأتى له من وجه يخلص إلى بغيته منه ، فالله تعالى لطف للخلائق كلهم حتى وصلوا إلى ما يصلحهم بلطفه ، والخبير العالم بالشيء ، يقال : فلان يخبر هذا الأمر ، أي يعلمه ، فالله تعالى خبير بالأشياء ، لا يخفى عليه منها شيء ، جل اللطيف الخبير 0 الجليل العلي العظيم المتعالي : تبارك وتعالى جده ، وإنما قيل جليل عظيم ؛ لأنه خلق الخلق الجليل العظيم ، فاستدللنا عليه بهذا الخلق العظيم ، وإن كان جليلا عظيما فإن الحواس قد أحاطت به / والمشاعر قد حوته ، فالخالق جل عن 22 ب أن تحيط به الحواس ، أو تبلغه المشاعر ، أو تدركه الأوهام ، أو تبلغه الخطرات ، وتعالى عن ذلك ، يعجز المخلوقون عن دركه بوجه من الوجوه ، واعترفوا بالعجز على أنفسهم ؛ لأنهم لا يقدرون على حيلة ، ولا تبلغ قوتهم درك كيفيته ، ففزعوا إلى أسمائه ، والتجأوا إلى صفاته ، وأقروا أنهم لا يدركون ذاته ؛ لتعاليه ، فاستعانوا باسمه ، ثم وصفوه بالجلال والتعالي والعظمة ، فقالوا: لا حول لنا ولا قوة على درك معرفته إلا باسمه ، والالتجاء إليه ، وإلى صفاته باسمه الله ، وصفاته الجليل ، العظيم ، العلي ، المتعالي ، فقالوا: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، والجلالة هي العظمة ، فكأن الخلق لما عرفوا جلاله وعظمته ، ولم يقدروا على بلوغ صفته ، واعترفوا بالعجز تذللوا بالخضوع ، فقالوا : يا ذا الجلال والعظمة ، والعلي من العلو ، وقال أهل اللغة : تبارك تفاعل من البركة ، وتعالى من العلو ، ويجوز متعالي ، ولا يجوز متبارك ، فقيل له تعالى : تبارك ؛ لأنه خلق الخلق كله ، وبارك فيه ، وقدر لكل قوته ، ولم يبخس شيئا حظه ، فمنه ظهرت البركة ، وقولهم : تعالى جدك ، قال أهل اللغة : الجد : عظمة الله ، من قوله : [جد ربنا] والجد بالكسر الاجتهاد ، وانكر قوم في الدعاء تعالى جدك ، وقالوا : الذي في القرآن حكاية عن الجن، وأجازه آخرون ، وذكروا بأنه مدح الجن ، وذكروا أنهم أثنوا ، وذهبوا به إلى معنى العظمة ، ومنه الحديث (¬1) :
صفحة ٦٦