في مسائل كثيرة مشهورة عند أهل النقل (¬4) 0 ... ونحن ذاكرون في كتابنا هذا بعون الله وتوفيقه معاني أسماء ، واشتقاقات ألفاظ وعبارات عن كلمات غريبة ، يحتاج الفقهاء إلى معرفتها ، ولا يستغني الأدباء عنها ، وفي تعلمها نفع كثير، ونبدأ بذكر أسماء الله تعالى وصفاته ، وذكر معانيها ، وما يجوز أن يتأول منها ، ثم نتبع ذلك بذكر أسماء لها ذكر في الشريعة ، فنذكر معانيها واشتقاقاتها ؛ لأن أرفع درجات العلماء ، وأجل مراتب الأدباء ، معرفة أسماء الأشياء ، والعلم بحقائقها ، فإن الله تعالى أظهر فضيلة آدم بأن علمه [الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين 0 قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ] (¬1) وإنما صار الفضل في معرفة أسماء الأشياء ؛ لأن كل شيء يعرف باسمه ، ويستدل عليه بصفته ، والصفة تقوم مقام / الاسم ، وتكون خلفا منه ، والله تعالى يعرف بأسمائه ، 9ب وينعت بصفاته ، ولا درك للمخلوقين إلى غير ذلك ، وصفاته أسماؤه ، كقولك : الرحمن الرحيم ، هما من صفاته ، وهما أسماؤه ، وكذلك أسماء المخلوقين وصفاتهم ، فكل شيء يعرف باسمه ، ويستدل عليه بصفته من شاهد يدرك ، وغائب لا يدرك ، وربما يدعى الشيء باسم لا يعرف اشتقاقه من أي اسم هو ، بل يكون مصطلحا عليه ، قد خفي على الناس ما أريد به ، ولأي شيء سمي بذلك الاسم ، كقولك : الفرس والحمار والجمل والحجر ، وأشباه ذلك ، ومن الأسماء أسماء مشتقة من معان قد فسرت العلماء اشتقاقها ومعانيها ، كقولك : آدم ، قالوا : إنما سمي بذلك لأنه أخذ من أدم الأرض، والإنس سمي بذلك لظهوره ، والجن لاختفائه ، ويكون اسم بمنزلة الصفة ، كقولك : محمد ، مشتق من الحمد ، والحسن ، مشتق من الحسن ، والحمد والحسن مصطلح عليهما ، وعلى هذا كل اسم مشتق من غيره ، فالأول مصطلح عليه ، والمصطلح عليه لا يجوز أن يكون مشتقا من آخر ، ولا يعرف معناه إلا الله تعالى ، ومن الأسماء ما يجر معنيين ، كقولك : الزكاة ، قالوا : هو من النمو والزيادة ، يقال : زكا الزرع إذا طال ، ويكون من الطهارة ، قال الله : [قد أفلح من زكاها] (¬1) أي طهرها ، ومن الأسماء ما يجر ثلاثة معان أو أكثر ، كقولك : الدين ، يكون الطاعة ، ويكون الجزاء ، ويكون الحساب ، ويكون العادة ، ومن الأسماء ما هي قديمة في كلام العرب ، واشتقاقاتها /10 أمعروفة ، ومنها أسام دل عليها رسول الله صلى الله عليه في هذه الشريعة ، ونزل بها القرآن ، فصارت أصولا في الدين ، وفروعا في الشريعة ، لم تكن تعرف قبل ذلك ، وهي مشتقة من ألفاظ العرب ، وأسام جاءت في القرآن ، لم تكن العرب تعرفها ، ولا غيرهم من الأمم ، مثل : تسنيم ، وسلسبيل ، وغسلين ، وسجين ، والرقيم ، وإتبرق ، سجيل ، وغير ذلك ، وزعم قوم أن في القرآن شيء من ألفاظ العجم ، مثل : طه ، واليم ، والطور ، والربانيون ، والزيتون ، والصراط ، والفردوس ، وغير ذلك ،وأن بعضها بالسريانية ، وبعضها بالرومية ، وبعضها بالفارسية ، وهذا خطأ عظيم ، والصواب في ذلك والله أعلم أن يقال : هذه حروف أصلها أعجمية إلا أنها سقطت إلى العرب ؛ فعربتها بألسنتها ، وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها ، فصارت عربية ، ثم نزل القرآن بها 0 ... ومن أسماء الأنبياء في كتاب الله : إبراهيم ، وإسماعيل ، وموسى ، وعيسى ، إنما هي بالعبرانية ، أو بالسريانية : أبروهم ، وأشمويل ، وميشا ، وأيسوا ، فعربتها العرب ، فهذه الأسماء أعجمية الأصول ، عربية الألفاظ ، فمن قال : إنها أعجمية ، فقد صدق ، ومن قال : إنها عربية ، فقد صدق ، لما ذكرنا ، ومن ذلك : المؤمن ، والمسلم ، والمنافق ، والكافر ، لم تكن العرب تعرفها ؛ لأن الإسلام والكفر والنفاق ظهر على عهد رسول الله ، وإنما كانت العرب تعرف الكافر كافر نعمة ، وتعرف المؤمن من جهة الأمان ، والمنافق فلا ذكر له في لغة العرب ، قال الله في المسلم : / [ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل ] (¬1) 10 ب فيجوز أن يكون سماهم بتلك اللغة باسم كان معناه الإسلام ، لأن الله أنزل صحف إبراهيم بالسريانية ، وكان إسماعيل هو الذي تكلم بالعربية ، ولم يوجد اسم الإسلام في كلام العرب ، ولا كان قبل مبعث النبي ، وإنما نزل القرآن بلغة قريش ، وهم من ولد إسماعيل ، فقد دل على أن إبراهيم لم تكن لغته العربية ، وإن الذين سماهم المسلمين إنما هو بلغته ، ومثل ذلك كثيرة في الشريعة ، لا تعرفها العرب على هذه الأصول ، مثل : الأذان ، والصلاة ، والركوع ، والسجود ، لأن الأفعال التي كانت هذه الأسماء لها لم تكن منهم ، وإنما سنها النبي عليه السلام ، وعلمها الله إياه ، وقد كانت الصلاة ، والصيام ، وغير ذلك في اليهود والنصارى ، وكانت اليهودية والنصرانية في العرب ، ويقال : إن المجوسية لم تكن فيهم ، على ما ذكره الرواة ، ورووا إن أول من مجس من العرب حاجب بن زرارة الدارمي (¬2) ، وأهل بيته ، ولم يتمجس أحد منهم قبله غيره 0
صفحة ٤٤