فهذه خمسة أنواع على الجملة، وهي على الترتيب إلا ما يتعلق بالقلب واللسان، فإنه يدور مع هذه الأركان، ما لم ينتف الظلم والعدوان.
وتفصيل هذه الجملة: أنه يجب أن تكون معاشرتهم بالتذكير، والتحذير أولا باللطف واللين، كما قال تعالى:{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}(1) ولو نفدت على ذلك الشهور والأعوام، ومر عليه ما مر من عمر نوح عليه السلام، مادام يرجو نفع ذلك، فإذا زال الرجاء كانت معاشرته بعد ذلك بما أمر به العلي الأعلى، من المضاغنة والمباينة، وترك المداهنة والملاينة، وإظهار الحق وإن شق، وإغماض الباطل وإن مر وعق، ولا يؤاكل، ولا يشارب، ولا يداني ولا يقارب، ولا يشارد، ولا يساير، ولا يعاون، ولا يظاهر لا بالحسام، ولا بالكلام، ولا بالسلام، ولا بمعاطاة الأقلام، ولا بالدخول تحت الألوية والأعلام، ولا يحضرهم في الملأ، ولا يأخذ منهم العطاء، إلا أن يحضر للإنكار، والاستخفاف بهم والاستصغار.
وعلى الجملة فينبغي أن يعاشرهم معاشرة تفضي بهم إلى مخالفتهم من الدهور والأعوام والشهور، وليس إلا بكثرة الملاحاة، وترك المداجاة مع قوة في الدين، وثقة برب العالمين، وتصديقه فيما حكم به في الرزق والأجل، والإقبال إلى ما وكل إلى العبد من العمل واجتناب المحادثة لأولي المداهنة، مع المصاحبة لأهل المباينة والمخاشنة، والرضاء بالقضاء وترك الاستخانة لله تعالى فيما منع وأعطى.
فهذه هي المعاشرة مع الظالمين، التي شرعها رب العالمين، وجاء ت عن الأنبياء والمرسلين، والأولياء المقربين، والآن أشرح لك من البيان ما يكشف عن هذه الشأن، مستعينا بالله تعالى، متوكلا عليه، وطالبا لما لديه، ورادا أمري كله إليه، فنعم المولى ونعم النصير.
صفحة ١٩٧