150

الشفاعة في الحديث النبوي

الناشر

دار الكتب العلمية

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٦ هـ - ٢٠٠٥ م

مكان النشر

بيروت - لبنان

تصانيف

نزل بالمدينة (حُمى) الملاريا فلم تمض ايام حتى مرض بها بعض الصحابة، كأبي بكر وبلال ... فأستوخم الصحابة ﵃ جو المهجر الذي آواهم. ثم أخذت تستيقظ غرائز الحنين إلى الوطن المفقود حتى قال سيدنا بلال ﵁:-
الا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل؟
وهل اردنْ يومًا مياه مجنه وهل يبدْوَنْ لى شامة وطفيل؟ (١)
فكان النبي ﷺ يصبرهم على احتمال الشدائد ويطالبهم بالمزيد من الجهد والتضحية لنصرة الإسلام فقال: «لا يصبر على لاواء المدينة وشدتها احد من امتي إلا كنت شفيعًا يوم القيامة، ولا يدعها احد رغبة عنها إلا ابدل الله من هو خير منه» (٢).
يقول الشيخ محمد الغزالي: «وهذا ضرب من جمع القلوب على المهجر الجديد حتى تطيب به وتنفر عن مغادرته» (٣) وهذا لا يعني ان الدعاء لمن صبر على جهد المدينة مقصور على تلك الفترة الزمنية لا بل هو مستمر إلى يوم القيامة فقد جاءت مولاة لعبد الله بن عمر ﵁ تستإذنه بالخروج من المدينة لشدة الحال في المدينة فقال لها عبد الله: «اقعدي لكاع (٤)، فاني سمعت رسول الله ﷺ يقول: لايصبر على لاوائها وشدتها احد إلا كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة» (٥) وقد جاء أبو سعيد المهري (٦) يستإذن على أبي سعيد الخدري ﵁ ايام الحرة (٧) واستباحة المدينة وشكا اليه اسعارها، وكثرة عياله واخبره انه لا طاقة له على جهدها، فقال أبو سعيد: «ويحك لا امرك بذلك فاني سمعت رسول الله ﷺ يقول «لايصبر احد على جهد المدينة ولاوائها إلا كنت له شفيعًا أو

(١) طرف من حديث أخرجه البخاري في صحيحه (١٨٨٩) وله اطرف انظرها هناك وانظر فقه السيرة، محمد الغزالي ص١٨٤.
(٢) انظر تخريجه برقم (١٣٨). واللفظ هنا لأحمد.
(٣) فقه السيرة ص١٨٤.
(٤) تطلق على اللئيم وعلى الغبي وعلى العبد الذي لا يهتدي لكلام غيره وعلى الصغير، أنظر شرح مسلم، النووي٩/ ١٥١.
(٥) انظر تخريجه برقم (١٣٥).
(٦) قال إبن حجر في التقريب ٨١٣٣:"مقبول"، وجاء في التحرير٤/ ٢٠٤ "بل ثقة".
(٧) وهي الايام التي استباح فيها يزيد بن معاوية المدينة عام ٦٣هـ.

1 / 155