الصراع الفكري في البلاد المستعمرة
الناشر
دار الفكر الجزائر / دار الفكر دمشق
رقم الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٤٠٨ هـ = ١٩٨٨ م / ط ١ القاهرة ١٩٦٠ م
مكان النشر
سورية
تصانيف
الفكرة في مصير المجتمعات، كما تجهل دقة الحطط التي ترسم من أجل التحكم في مصير الشعوب المتخلفة عن طريق أفكارها.
إنه ينبغي أن نفهم الفرق الشاسع بين موقفين: موقف من يريد من الماء شيئًا تتطلبه تغذية جسمه حينما يعطش، وحاجة ترابه حينما يزرع، وموقف من يريد زيادة على ذلك أن يعرف ما هو الماء بوصفه (ماء)، ومن أي العناصر يتركب وتحت أي الشروط يتم تركيبه. فالفرق بيِّن: بين موقف من يعلم (تلقائيًا) كيف يتصرف بالشيء في حاجاته مثل الماء، وبين موقف من يحاول أن يتصرف في الشيء ليس طبقًا لحاجاته فحسب بل أبعد من حاجاته البسيطة أيضًا.
كذلك فإن البلاد المستعمرة لا تعرف عمومًا ما هو الصراع الفكري، وإنما تسجل تلقائيًا نتائجه السلبية في حياتها، فحينما ترسل إلى الخارج بعثة من الطلاب للدراسة العليا، فقد قام تلقائيًا بعمل يتصل بالصراع الفكري، ولكنها لا تعلم بالضبط مقتضيات هذا الصراع وأسلوبه ووسائله وأهدافه.
وعلى ذلك فإن عملها ينتهي حالما تخرج البعثة من أرضها، إذ تصبح شؤونها مجرد عملية صرف، يقوم بها المصرف الذي يؤدي لكل طالب مبلغه الشهري.
إنها لا تعلم أن تلك البعثة التي سلمت شؤونها للمصرف، قد دخلت دون أن تشعر في حلبة الصراع الفكري، إذ تقبلتها رعاية الاستعمار وأحاطتها برقابة دقيقة، وأعدت لكل فرد من أفرادها ملفًا خاصًا، لا يغادر كبيرة ولا صغيرة من تصرفاته إلا أحصاها، حتى يكون لدى الاستعمار عن تلك البعثة معلومات أكثر مما هي عليه عند المصلحة أو الوزارة التي أرسلتها.
فهذا بالنسبة للبعثة هو الفصل الأول: فصل التعرف ثم يبتدئ الفصل الثاني: فصل التوجيه.
1 / 33